{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: ٨]، وإن كان السَّيِّد يجد ما يشَنِّعُ بِهِ عليهم مِن سائر مَذاهِبِهم القبيحةِ التي صرَّحُوا بها واعتقدوها، وله في التشنيع بها غُنية وكفاية عن هذا الذي يستفيد المتكلم به أن يسقطَ عن العيون، وأن تَسُوء به الظُّنون، وإن كان قال ذلك متوهماً أنَّه يمضي على خصمه ولا يعرِفُه، فأدنى العوام تعرف أن ليس في أهلِ الشهادتين مَنْ يعتقِدُ أنَّ الله يُعاقِبُ على الطاعة، ويُثيبُ على المعصية، بل ليس في مِلَلِ الشرك وعُبَّادِ الأوثان مَنْ يعتقد ذلك.
الوجه الثاني: أن هذا الاستدلالَ منه أَيّده الله هو المعروفُ في علم المنطق بالمغالطة، قالوا: والمورد لها، إن قَابَلَ بها الحكيم، فهو سوفسطائي، وإن قابل بها الجدلي، فهو مُشاغبي، فهب أني رضيت لنفسي التبرؤ مِن مرتبة الحكمة البُرهانية، ونزهتُك عن المذاهب السُّوفسطائية، فما ينبغي منك أن ترضى لنَفْسِكَ بمرتبة المشاغِبِ، فأنت مِن أولاد العِترة الأطايبِ.
وإنما قلتُ: إن ذلك من قياسات المغالطة، لأن المغالطة قياسٌ متركبٌ من مقدمات شبيهة بالحق تفسدُ صورتَه بأن لا يكون على هيئةٍ منتجةٍ لاختلال شرطٍ مُعْتَبرٍ، وهذا حاصلٌ في استدلالِ السيد، وبيانُه من وجهين:
أحدُهما: قوله عندهم: أن الله يجوز أن يُعاقِبَ المطيع، ويُثيب العاصي، فهذه مقدمة باطلة تشبه الحقَّ، والحق أنَّهم لا يقولون بذلك، ولكنه يلزمُهُمُ القولُ به لو جرَوْا على قواعد مذهبهم، فإِما أن يعترِفَ السيد بهذا، فهو الظَنُّ بعلمه وعقله، أو يُصِرَّ على اللجاجة في الخصومة، ويُصمِّمَ على اللَّدَدِ في المماراة، فهاهم أولاءِ في تِهامة فليكتُبْ إليهم