للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لوجدتني عنده". إلى آخر الحديث، وما ورد فيه من ذكر الاستطعام (١). فهذا وأمثاله مما كان يعرف السامعون من المجازات النبوية.

فإن قلت: كيف وردت السنة في ذلك بأكثر مما ورد به القرآن؟

قلت: مثل هذا السؤال لا يصدر عن عارفٍ، فإن القرآن مبنيٌّ على الإيجاز العظيم، وكل ما ورد فيه من الشرائع وغيرها، فهو في السنة أبسطُ غالباً، مثل الصلاة، وتفصيل شرائطها، ومفسداتها، وعدد ركعاتها، ومثل الزكاة وأنصبتها، وما يُعفى عنه فيها، وكذلك الصوم ولوازمه، والحج ومناسكه، وعذاب القبر، وأحوال البعث، وصفة الحساب، والصراط، والجنة، والنار، وغير ذلك. وهذا واضحٌ.

ثم إن السيد أيده الله تعالى نظم حديث جريرٍ بن عبد الله البجلي، وهو الحديث الثالث في هذا النمط، ما كأن السيد قد قرأ كتاباً في علم المعاني والبيان، وقوله عليه السلام في حديث جرير: " سَتَرَوْنَ ربكم " (٢) متواترٌ عند أهل الحديث، رَوَوْا فيه قدر ثمانين حديثاًً عن نيِّفٍ وثلاثين صحابياً. ممن ذكر ذلك النفيس العلوي في كتابه في الرؤية، وذكر أكثره ابن تيمية وابن قيم الجوزية في " حادي الأرواح " (٣). ومعناه عند المعتزلة صحيحٌ من غير تأويلٍ ولا تجوزٍ، فقد ذكر كثيرٌ من أئمة الاعتزال والشيعة ما يدلُّ على أنه محمولٌ على الحقيقة اللغوية، لم يخرج قط إلى المجازات المعنوية، وذلك لقولهم فيه: إن الرؤية بمعنى العلم، وذلك حقيقةٌ لغويةٌ فصيحةٌ قرآنيةٌ، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} [الفيل: ١]، {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: ٣٠] في آيات كثيرة وهذا ما لا نزاع فيه، وذكر ذلك صاحب " ضياء الحلوم " (٤)، وذكرهُ النُّحاة


(١) تقدم تخريجه ٤/ ١٧٥.
(٢) تقدم تخريجه في الجزء الخامس.
(٣) ص ٢٠٥ - ٢٣١، وقد تقدم تخريجها في الجزء الخامس.
(٤) انظر " شمس العلوم " ٢/ ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>