للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقوقِ الله تعالى وحقوقِ المخلوقين من الفروق الواضحة، وسيأتي لهذا مزيد بيان، إن شاء الله تعالى.

فإذا فَرَّقَ الشرعُ بينَ الحكمين، لم يصح القياس مع وجود هذه التفرقة المستمرة في أكثر الأحوال، أو في كثير منها، فأما العموم فقد تَبَيَّنَ بهذا الإِشكال تعذُّرُهُ، فلا تحرم روايةُ الحديث عن فاسقِ التأويل بعموم هذه الآية، لأنها خاصة بحقوق المخلوقين، فتأمل ذلك، وهذا لازم (١) له، لا (٢) نقول بأن المنع من قبول المتأوِّلين من المسائل القطعية، ويستدل على ذلك بهذه الآية النازلة عن مرتبة الظن كيف القطع، فليتَ ما استدل به على القطع أثْمَرَ الظن!

الإشكالُ الثامن: أن الله تعالى قال: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} ولم يقل: فلا تقبلوه، والتبين: هو النظر فيما يدل على صدقه أو كذبه، وليس القطع على تكذيبه، والجزمُ على عدم قبوله يُسَمَّى، تبيناً في اللغة، ولا في العُرف، ولا في الشرع. والتبين: تَفعُّل من البيان وهو تطَلُّبُ البيان، وذلك لا يكون مع بيان ردِّه، ولا مع بيان قبوله، كما لا تقول بعد شروق الشمس لصاحبك: تبيَّن هل طلع الفجرُ؟ وإنما تقول ذلك لأجلِ الالتباس، ويوضِّح هذا أنَّه قد جاء التبيُّن في القرآن الكريم، وليس المراد به الردَّ والتكذيب، كما في قوله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} فإنَّه روى ابن عباس رضي الله عنهما: أن المسلمين لحقوا رجلاً في غُنَيْمَةٍ (٣) له فقال: السَّلام


(١) في (ب): خاص، وفي (ج): حجة.
(٢) في (ج) و (ب): لأنه، وفي (ش) لأنا.
(٣) الغنيمة: تصغير غنم، وهو قطيع من الغنم.

<<  <  ج: ص:  >  >>