وهنا تنبيهٌ على نقض الحكم فيه بقوله:{فلا كاشف له إلاَّ هو} وذلك أنه نَبَّه بذلك على الرجوع فيه في كشفه، وذلك من الدواعي إلى إنزاله، وفي آخر الآية إشارةٌ إلى أن المراد التمدُّح بكمال القدرة والملك، فسُمِّي الله بهذه الأسماء، ويُشتَقُّ له من ذلك أحسن الأسماء لا حَسَنُها، وهي هذه الأربعة: القدير، القاهر، الحكيم، الخبير.
ولذلك اختار الله تعالى للقِصاص اسم الحياة، لأنها هي المقصودة به، فقال:{وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] ولم يسمه ضُرّاً.
لذلك سلمنا أنه يسمى ضراً، فلا نُسَلِّمُ أنه يسمى بذلك ضارّاً، فقد جاء في كتاب الله سبحانه أن الله يهدي من يشاء ويُضِلُّ من يشاء، ولم يرد في الأسماء الحسنى أنه المُغْوِي المضل، وإنما ورد فيها أنه النور الهادي، وذلك أنه لا تُسَمَّى إلاَّ الحسنى توقيفاً كما نصَّ على ذلك:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}[البقرة: ٢٦] فكان ذلك منه عدلاً لِحكمةٍ بالغة يسمى بها عادلاً لا مُضِلاًّ، وديَّاناً عزيزاً خَفِيَّ الحكمة، لا ظالماً ولا لاعباً، فافهم هذا، فإنه يفتح لك باب الفهم في أسماء الله الحسنى.
ولذلك قال غير واحدٍ من العلماء: إنه لا يجوز إفراد الضارِّ عن النافع في الأسماء الحسنى، لأن مضرته للظالم هي عين منفعته للمظلوم، فهو نافعٌ بعين ما هو ضارٌّ، بل اسم النافع أولى به في ذلك الضرِّ، لأنه إنما أراد النفع بذلك الضُّرِّ لا الضُّرَّ، فمراده بضرر الظالم هو منفعة المظلوم لا مضرَّةُ الظالم، ولذلك أمر المظلوم بالعفو عن الظالم في كتابه وعلى لسان رسوله، وحثَّهُ على ذلك، ووعده عليه العفو والمثوبة.
فلو كان مُراده بالعدل والانتصاف مضرَّة الظالم حَرَّمَ العفو عنه ولم يأمر به، ويدل عليه قوله تعالى:{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}[القمر: ١٤] بضم الكاف وكسر الفاء، وهو نوحٌ عليه السلام.
فكان الداعي إلى جزاء الكافرين ما فيه من المثوبة للأنبياء والمؤمنين، وفي