البحث الرابع: احتج السَّيِّدُ على أن الغزالي يُعَسِّرُ الاجتهادَ بتجويزه لتقليدِ الإمامِ، وهذا لا يَصِحُّ، لأنَّه ليس بَيْنَ السُّهُولَةِ والوجوب على الإِمام رابطةٌ عقلية، ولا سمعية، فلو كان قد تقرَّرَ في العقل أو الشرع أنَّ كُلَّ سهل فإنه واجب على الإِمامِ، كان كلامُ السَّيِّد يتمشَّى على ذلك، وما المانعُ من أن يقول الغزاليُّ: الاجتهادُ سَهْلٌ، وليس بواجب على الإِمام، مثل ما قد نصَّ على الجمعِ بينهما حي السيدُ الإِمامُ شيبةُ العِترةِ داودُ بن يحيى (١) رحمه الله، والإِمامُ المؤيَّدُ بالله يحيى بنُ حمزة عليه السلامُ، وحي القاضي العلامة عبدُ الله بنُ حسن الدواري رحمه الله، وغيرُهم من العلماء، فإنَّهم جمعوا بينَ تسهيلِ الاجتهاد، وتجويزِ التقليد للإمامِ الأعظم.
وأما الحُجَّة الثانيةُ، وهو أنه صنف كتاباًً للمستظهر، فلم يَظْهَرْ لي أنَّ فيها حُجَّة، ولا شبهةً، فأتعرَّضَ لجوابها، فإنَّه لا مناسبة بينَ تصنيفِ الغزالي كتاباً للمستظهر، وبينَ تعسيرِ الاجتهاد ألبتة.
قال: وقد قالَ الغزاليُّ: لم يكن في الصحابة مِن المجتهدين إلاَّ قليلٌ وهُمُ الخلفاءُ الأربعةُ، والعبادِلَة، وزيدُ بنُ ثابت، ومعاذُ بنُ جبل، ومَنْ عُرِفَ منهم الرجوعُ إليه مِن غيرِ نكيرٍ وأراد بالرجوعِ إليه في الفتيا، لا في الرواية.
أقول: غَرَضُ السَّيِّد بهذا الكلام الاستدلالُ على تعسير الاجتهاد، لأنه إذا ثبت قِلَّةُ المجتهدين في الصحابة فما ذلك إلاَّ لصعوبته، فلنتنزَّل معه في الجواب في مراتب.
المرتبة الأولى: المنازعة في قِلَّة المجتهدين، ولنا فيها طرق:
(١) هو العلامة الحافظ التقي صاحب التصانيف داود بن يحيى بن الحسين بن علي الهدوي المتوفى سنة ٧٩٦ هـ مترجم في " ملحق البدر الطالع " ص ٩١ - ٩٢.