للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيِ مَعادهم ومَعاشهم، وأنَّه ما كتمَ شيئاً مِنَ الوحي، ولا طواه عَنِ الخلق، فإِنَّه لم يُبْعَثْ إِلاَّ لذلك، فلذلك كان رحمةً للعالمين، ولم يكن مُتَّهَماً فيه، كيف، واللهُ تعالى يقول: {وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِظَنِين} (١) [التكوير: ٢٤]، وعُلِمَ ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - علماً ضرورياًً في سائِرِ أحواله مِن حرصه على (٢) إصلاح الخلق، وشغفِه بإرشادهم إلى صلاح مَعادهم ومَعاشهم، ما ترك شيئاً مِمَّا يقرِّبُهُم إلى الجَنة، ويرضي الله، إِلاَّ دلَّهم عليه، وأمرهم به، وحثّهم عليه، ولا شيئاً مِمَّا يقربُهم إلى النَّار وإلى (٣) سَخَطِ الله، إِلاَّ حذَّرهم منه، ونَهاهم، وذلك في العلم والعمل (٤) جميعاًً.

الأصلُ الثالث: أَنَّ أعرفَ النَّاس بمعاني كلامه، وأحراهم بالوقوف على كُنهه، ودرْكِ أسراره، هُمُ الَّذِين شاهدوا الوحي والتَّنزيل، وعاصروه وصَحِبُوه، بل لازموه آناءَ الليل والنهار، مستمرِّين لِفَهْمِ معاني كلامه، وَتَلَقِّيه بالعمل به أوَّلاً، والنَّقلِ إلى من بَعْدَهم ثانياً، والتَّقرُّب إلى الله تعالى بسماعه وفهمه وحفظه ونشره.

فليت شعري أيُّها المتكلمون، تتَّهمونَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإخفائه، وكِتمانه عنهم (٥)، حاشا منصحت النُّبوَّةِ عن ذلك، أم (٦) تتهمون أولئك


(١) بالظاء، وهي قراءةُ ابن كثير، وأبي عمرو، والكسائي، وقرأ الباقون (بضنين) بالضاد، قالَ ابن قتيبة: من قرأ بالظاء، فالمعنى: ما هو بمتَّهَمٍ على ما يخبر به عن الله، ومن قرأ بالضاد، فالمعنى: ليسَ ببخيل عليكم بعلم ما غاب عنكم مما ينفعكم. انظر " زاد المسير " ٩/ ٤٤ بتحقيقنا.
(٢) في (ش): على سائر أحوال الخلق من الإصلاح.
(٣) " إلى " ساقطة من (ش).
(٤) في (ب): العمل والعلم.
(٥) " عنهم " ساقطة من (ش).
(٦) في (ش): أو.

<<  <  ج: ص:  >  >>