للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضينَ بتقبيحه على من آمنَ بالله وملائكتِهِ ورُسُلِهِ، وأقام أركانَ الإسلام الخمسة، واجتنب الكبائرَ المتواترة، وإنما عرضت له شُبْهةٌ في خبرٍ واحدٍ من أخبارِ الله، تعارضت عليه فيه العمومات والخصوصاتُ مع تقويه عند اعتقاده أنَّ الله صادق (١)، ولا يُخلِفُ الوعدَ ولا الوعيدَ.

الوجه الثاني: اعْلَمْ أن الحاملَ على المحافظة على الخيرات والمجانبة للمكروهات، ليس مجردَ اعتقاد أنَّ الله يُعَاقِبُ على الذنب ولذلك لم يكن العدلُ مَن اعتقد أن الله لا يغفِرُ كبيرةً إلا بالتوبة، ولا قال أحدٌ مِن أهل (٢) الإسلام: إنَّ هذه حقيقةُ العدل في الشرع، وإنما الحامل على العدالة شرفٌ في النفوس، وحياءٌ في القلوب عن مبارزة المنعم بجميع النعم بالمعاصي، ولهذا فإِنَّ أكثر الخلق محافظةً على الخير، ومجانبة للشر أكثرُهم حياءً من الله وتعظيماً وإجلالاً له، وأما مجرد الاعتقاد، فهو واحد لا يزيد، ولا يَنْقصُ ولهذا تجد الوعيدية مختلفين مع أن اعتقادَهم واحد، ولكن تفاضلها في شرف النفوس، وأنَفِهَا من دناءة المعاصي ومذلَّةِ الفواحش، واختلفوا في شِدَّةِ الحياءِ من ملك الملوك، وربِّ الأرباب، وتباينت مراتبهم في التعظيم والإجلال لِمَنْ بيده الخيرُ وهو على كُلِّ شيء قدير، ولهذا فإن أقربَ الخلق إلى الله أخوفهم منه، ولهذا اشتَّد خوفُ الأنبياء والأوصياء، وكانوا أرغَبَ الخلقِ إلى الطاعات، وقد كان كثيرٌ من الصَّالحين لا يرضى أن يَعْبُدَ الله خوفاً مِن العذاب ولا رغبةً في الثواب، وإنما يَعْبُدُهُ إجلالاً، ويُطيعه تعظيماً (٣)، وكذلك قالت


(١) في (ب)، زيادة: ولا يكذب.
(٢) في (ب)، زيادة: فِرَق.
(٣) يرى فريق من أهل العلم أن ما عليه هؤلاء ليس هو الجادة، وإنما هو من الشطحات والرعونات التي تقع للسالكين، ويحتجون بأحوال الأنبياء والرسل والصديقين ودعائهم =

<<  <  ج: ص:  >  >>