للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثُها: أنَّ مجرد الولاية إما أن تكون ظنيةً أو قطعية، إن كانت ظنيةً، فله أن يعملَ فيها بمذهبه، أو بمذهب صحابي مجتهدٍ غيره، ولا اعتراضَ عليه في ذلك، وإن كانت قطعيَّةً فلا شكَّ أنها مما لا يُعْلَمُ كِبْرُهُ، ويكون حكمُ مَنْ فعلها مستحلاًّ متأوِّلاً حكمَ المعتزلة عند الزيدية، وحكمَ غيرهم من العلماء المخالفين في نحو هذا مما لا يقطع الوِلاية، ولا قائل بقدحه في الرواية.

ورابعها: أنَّه قد نُقِلَ عن ابنِ عباس، وعقيل بن أبي طالب رضيَ الله عنهما ما هو قريبٌ من ذلك مما هو معروف في كتبِ التاريخ، ولم يُنْقلْ عن أحدٍ أنُّه تكلم فيهما إلاُّ بما هما أهلُه من التعظيم، والتَّرَحُّمِ، والترضية. والوجهُ عندي في ذلك ما قدمتُه من أن تلك إما مسائلُ ظنية، فكل مجتهد فيها مصيب، أو لها محامِلُ حسنة، لم نعلمْها، أو قطيعةٌ فليست من الكبائر المعلومة التي تنقطِعُ الولاية بارتكابها والله أعلم.

والسيد -أيَّده الله- لم يتعرضْ للكلام في رواية أبي هُريرة، ولا في ولايته رضي الله عنه، ولكن أحببتُ ذكر ذلك خوفاً من الاعتراضِ به، ومحبةً للتقرب إلى الله تعالى، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذكر هذا الصاحبِ، ونُصرته والقيام بحقه، جعلنا الله تعالى مِن الذين مدحهم في كتابه الكريم بقولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠].

قال: قال -يعني: الغَزَالي-: وتردَّدَ الشافعي في كون الحسنِ البصري مجتهداً، وزعم الغزاليُّ أن أبا حنيفة لم يكن مجتهداً، قال: لِقصوره في اللغة والحديثٍ، أما اللغةُ، فلِقوله: بأبا قُبَيسٍ (١)، وأما الحديثُ، فلأنَّه


(١) في " تأنيب الخطيب " ص ٣٤: ليس المراد بأبي قبيس هنا الجبل المطل على =

<<  <  ج: ص:  >  >>