للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكراهة يجوز خلقهما (١) بالأوصاف الإضافية غير الحقيقية، فإن الجميع من المتكلمين لم يقل أحدٌ منهم: إن وجوه الحسن والقبح التي هي متعلقاتُ هذه الأشياء صفاتٌ حقيقيةٌ، ولذلك تُعَلَّق المحبة والإرادة بعدم المضار، وبالتروك، وبنية الصوم وبنحو ذلك مما في بعضه خلاف دون بعض.

وهذا الجواب إنما هو على أصول أهل السنة، وأمَّا غلاة الأشعرية، فإنهم يُجيبون بجوابهم المعروف في نفي الحكم عن أفعال الله تعالى مُطلقاً، ونفي التحسين فيها عقلاً.

واعلم أن المعتزلة تُشَنِّع على أهل السنة بمخالفة السمع من نحو قوله تعالى: {والله لا يُحِبُّ الفساد} [البقرة: ٢٠٥] ومن العجب أنه لا يقرر هذه الآية وأمثالها على الظاهر من غير تأويل إلاَّ أهل السنة، ولا بُدَّ للمعتزلة وغيرهم من المبتدعة من تأويلها على بعض الوجوه.

بيانه أنا قدمنا أن أهل السنة يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه من محبة الطاعات وأهلها دون سائر الفرق لما مر تقريره في الصفات.

فقوله تعالى: إنه لا يحب الفساد، لا يلائم مذهب المعتزلة إن مفهومه أن صفة المحبة جائزةٌ على الله تعالى، وإنَّما لم يُعَلَّق بالفساد لقبحه، ومفهومه أنه تعالى يُحب الصلاح والصالحين كما صرح به القرآن، لكن المعتزلة لا تجيز صفة المحبة على الله تعالى، ويقولون: إنها صفة نقصٍ، وإنه يجب تأويلها بالإرادة.

وكذلك قوله تعالى: {ولا يَرْضَى لِعبادِه الكُفْرَ} [الزمر: ٧] متى كان الرضا بمعنى المحبة.

وأما قوله: {كُلُّ ذلك كان سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مكروهاً} [الإسراء: ٣٨] فإن المعتزلة وافقت أهل السنة على تقرير الكراهة على ظاهرها، وهذا يُلزمهم


(١) في (ش): تعلقهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>