للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموافقة على تقرير المحبة من غير تأويل.

وهم ظنوا أن المحبة تستلزم الشهوة، وأن الكراهة لا تستلزم النفرة، وهذا كلُّه تحكم، فإنهم إن رجعوا إلى قياس الخالق على المخلوقين، لَزِمَهم منعُ الكراهة لأنها في المخلوقين تستلزم النفرة بل منع الإرادة قول البغدادي منهم، لأنها في المخلوقين (١) تستلزم الحاجة وتلازمها، إذ لا يريد الملخوق شيئاً إلا لحاجته إليه في العاجل أو الآجل، بل منع صفات الكمال كلها من كونه تعالى عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً، لأنه لا يكون كذلك في الشاهد إلاَّ من كان جسماً مركباً من البنية المخصوصة، لا سيما صفة الحي عند المعتزلة، فإن شرط صحتها عندهم في الشاهد البنية المخصوصة.

وإن تركنا هذا القياس الفاسد على الشاهد، والخيال الناشىء عن العوائد، ورجعنا إلى ما نطق به الكتاب، ودلت عليه الألباب من مزية ربِّ الأرباب عن مشابهة من خلقه من التراب، وأقذار نُطَفِ الأرحام والأصلاب، سلَّمنا (٢) لعلام الغيوب جل وعز ما وصف به نفسه الكريمة، وذاته القديمة، وعلمنا أنَّ محبته وإرادته وكراهته وسائر صفاته المنصوصة في أشرف كتبه وعلى ألسنة رسله عليهم الكلام ليست مثل صفاتنا، مثل ما أن ذاته تقدست أسماؤه ليست مثل ذواتنا، وقد تقدم تقريرُ ذلك في الصفات فلا نُطوِّل بإعادة الأدلة عليه.

وأما ما نقله النواوي في الوريقات التي سمَّاها كتاب " القواعد " عن الجويني (٣) فإنه مع كونه خلافاً لفظياً كما سيأتي مخالف لمذهب أهل السنة قاطبة، ولمذهب المحققين من الأشعرية، وذلك أنه قال ما لفظه: مذهب أهل الحق الإيمان بالقدر وإثباته، وأن جميع الكائنات خيرها وشرها بقضاء الله وقدره وهو مريدٌ لها، ويكرَهُ المعاصي مع أنه مريدٌ لها لحكمةٍ يعلمها سبحانه وتعالى.


(١) من قوله: " تستلزم " إلى هنا ساقط من (أ).
(٢) في الأصلين: وسلمنا.
(٣) في " الأرشاد " ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>