للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوجب أنْ تكونَ المقدمات كلها ضرورية، وكونُ المقدمات كذلك، يوجب أنْ تكون النتائج كذلك.

والله تعالى له حكمةٌ بالغةٌ في عدم وضوح أمور (١) الآخرة لكل أحد إلى حدِّ الضرورة، على جهة الاستمرار، لِما فيه من بطلان الامتحان؛ الذي أخبر سبحانه أنه له مراد، قال الله تعالى في الساعة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: ١٥]، وقال {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الآية [الحج: ٥٢]. وأمثال هذا لا يُحصى، وسيأتي لهذا مزيدُ بَيان، والمُقَدمةُ لا تتسع لأكثرَ من هذا.

واليقينُ التام، وانتفاءُ الوسواس؛ هو الغالبُ على أنبياء الله -سبحانه- وأوليائِه، وحصولُه مَوْهِبَةٌ من الله تعالى، تقف على أسباب يُوفَّقُون لعملها، كالثواب المتوقف على العمل سواء. ويَندُرُ خلافُ ذلك منهم، لحكمة الله تعالى، لو لم يكن إلا لتأسي المؤمنين بهم، وعدم انكسارِ نفوسهم، كما ورد في الصحيح: " نحنُ أحقُّ بالشَّكِ مِن إبراهيم " (٢).


(١) في (ب): الأمور.
(٢) رواه الخاري (٣٣٧٢) و (٣٣٧٥) و (٣٣٨٧) و (٤٥٣٧) و (٤٦٩٤) و (٦٩٩٢) ومسلم (١٥١) في الإيمان وفي الفضائل، وابن ماجة (٤٠٢٦) والبغوي (٦٣) وأحمد ٢/ ٣٢٦ والطبري (٥٩٧٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسُف لأجبت الداعي " وتفسير الشك بالمعنى الذي قاله المصنف هو مذهب الإمام أبي جعفر الطبري في " تفسيره " ٥/ ٤١٩، واستدل بذلك لما أخرجه هو وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم من طريق عبد العزيز الماجشون عن محمد بن المنكدر عن ابن عباس، =

<<  <  ج: ص:  >  >>