للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى الشكِّ هنا: هو الوسواسُ الذي لا يدخل دفعه تحت القدرة، وليس معناه الشك المستويَ الطرفين قطعاً. وقد جاء مثل ذلك؛ في موسى الكليم -عليه السلام-، في قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه: ٦٧ - ٦٨]. فيا من جَرحُ وَسْوَاسهِ لا يُؤسى، أما يُعزِّيك: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}؟! ويا مَن يُداوي بالكلام قلبَه الكلِيم، لا تعدِلْ عن المرهم الذي صنعه الحكيم، لخليله إبراهيم، وهو النظرُ في المعجزات، المعلومُ حُدُوثها، وأنَّه لا بُدَّ لها من مُحْدث مختار؛ بالعلوم الضروريات، عند النظر بالفطرة الأولى (١)، والإخبات، والخلوصِ من شوائب العادات. فإن تعَذَّرَ ذلك -


= قال: أرجى آية في القرآن هذه الآية: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} قال ابن عباس: هذا لما يعرض في الصدور، ويوسوس به الشيطان، فرضي الله من إبراهيم عليه السلام بأن قال: بلى، ومن طريق معمر عن قتادة عن ابن عباس: نحوه، ومن طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس نحوه، وهذه طرق يشد بعضها بعضاً، وإلى ذلك جنح عطاء، فروى ابنُ أبي حاتم وابن جرير من طريق ابن جريج قال: سألت عطاء عن هذه الآية، قال: دخل قلب إبراهيم بعضُ ما يدخل قلوب الناس، فقال ذلك.
وقال ابن عطية: ومحمل قول ابن عباس: إنها أرجى آية، لما فيها من الإدلال على الله، وسؤال الإحياء في الدنيا، أو لأن الإيمان يكفي فيه الإجمال ولا يحتاج إلى تنقير وبحث، قال: ومحمل قول عطاء: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس، أي: من طلب المعاينة، قال: وأما الحديث، فمبني على نفي الشك، والمراد بالشك فيه: الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك المصطلح عليه -وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحد عن الآخر- فهو منفي عن الخليل قطعاً؛ لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن آتاه اللهُ النبوة، قال: وأيضاً فإن السؤال لما وقع بكيف، دل على حالِ شيءٍ موجود مقرر عند السائل والمسؤول، كما تقول: كيف علم فلان؟، فكيف -في الآية- سؤالٌ عن هيئة الإحياء، لا عن نفس الإحياء، فإنه ثابت مقرر. وقال ابن الجوزي: إنما صار أحق من إبراهيم لما عانى من تكذيب قومه وردهم عليه وتعجبهم من أمر البعث، فقال: أنا أحق أن أسال ما سأل إبراهيم ما جرى لي مع قومي المنكرين لإحياء الموتى، ولمعرفتي بتفضيل الله لي، ولكن لا أسأل في ذلك.
(١) في (أ): " الأولة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>