للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتحرَّجُ مِن أجل حفظ اللفظ مع طُول العهدِ، فإذا روى بعبارة تُوهِمُ أنَّه حكى لفظ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - استقلَّته الرِّعدة، وإنَّما كان عامّة روايته بلفظٍ يفهم منه السامعُ أنّه روى بالمعنى، ولهذا قال أبو هريرة: ما غلبني أحدٌ إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولم أكتب (١).

وأعجبُ مِنْ هذا كله نسيانُ عُمَرَ لِحَدِيثِ التَّيَمُّمِ الذي رواه عمَّارٌ مع أنَّه من الوقائع التي لا يُنسى مثلُها في العادة، فإنّ عَمّاراً روى أنّه أصابته وعُمَرَ جنابَةٌ. قال: فأمَّا أنا فتمرَّغتُ في التراب كما تمرَّغُ الدَّابَّةُ، وأما عُمَرُ، فترك الصَّلاة، فلما أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - سألناه فقال: " إنَّما كانَ يَكْفيك ... " وساق الحدِيثَ في صِفَةِ التيمُّمِ. فلما سمع عُمرُ هذا مِن عمَّار، أنكره وقال: اتَّقِ الله يا عمَّار، فقال عمَّار: إن أحببتَ، لم أذكره فقال عمر: بل قد وليناك ما توليت (٢). أو كما قالا.

وأمثالُ هذا كثيرة.

فإذا لم يَجِبْ على الصحابة التعرُّضُ لمعرفة ما في الحوادث المقدرة من النصوص، وذلك قبلَ حفظِ السُّنن وتدوينها، فأولى وأحرى أن لا يَجِبَ ذلك بعدَ حفظها وتدوينها، والأمانِ من ضَيَاعها، والمعرفةِ بموضعها عند الحاجة إلى البحث عنها، وهي حُجَّةٌ قَوِيَّة إجماعية.

الحجة السادسة: أنها قد اشتهرت الفُتيا في عصر الصحابة عمَّن


(١) أخرجه البخاري (١١٣) وهو في تاريخ ابن عساكر ١٩/ ١١٧/١، وانظر السير ٢/ ٥٩٩.
(٢) أخرجه البخاري (٣٣٨) و (٣٤١) و (٣٤٥) و (٣٤٧) ومسلم (٣٦٨) (١١٢) وأحمد ٤/ ٢٦٥، والدارقطني ١/ ١٨٠، والنسائي ١/ ١٦٥ - ١٦٦، والبيهقي ١/ ٢١١ و٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>