للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على النكاح، ولا يجدُ القاضي مَنْ يَشْهَدُ في الحقوق، ولا يجد العاميُّ مَن يُفْتيه، ولا القارىء من يُقرئه، سواءً كان طالباً للاجتهاد أو للتقليد، فإن المقلد أيضاً يحتاج إلى عدالة من يُقَلِّدُهُ، وعدالة من يروي له مذهبَ العلم، وأهْلُ التَّحَرُّزِ من الغِيبة، ومِن سماعها والقائمين بما يجبُ على الحدِّ المشروعِ من إنكارها، والمتنزهين من الشُّبهَات أجْمَعَ؛ أعزُّ من الكبريت الأحمر، وإذا وجدتَهم، فلا تكادُ تجدهم إلا أهلَ العِبَادَةِ والزُّهد والاعتزال دونَ أهل التدريس والفتوى.

فلو اشترطنا هذا في المفتي والمدرِّس، والشَّاهد في الحقوق، والشَّاهِدِ في النكاح، لعَظمَتِ المضَرَّةُ من غيرِ شك، وتعطَّلَتِ المصالِحُ بلا ريب.

وقد قال الشافعي في العدالة قولاً استحسنه كثيرٌ من العقلاء مِن بعده، قال: لو كان العَدْلُ مَنْ لم يُذْنِبْ لم تَجِدْ عدلاً، ولو كان كُلُّ ذَنبٍ لا يمنع من العدالة لم تَجِدْ مجروحاً، ولكن مَنْ تَرَكَ الكَبَائِرَ، وكانت محاسنُهُ أكثرَ من مساوئه، فهو عَدْل. حكى معنى هذا عنه النواويُّ في " الروضة " (١).

وقال عبدُ الله بنُ زيد في " الدُّرر" في تفسير لفظ العدل: ومعنى كونه عدلاً: أن يكون مؤدياً للواجباتِ، ومجتنباً للكبائِرِ من المستقبحات، وحديث أبي هريرة الذي قدّمناه في من غلب عدلُهُ جورَه يشهد لهذا. وما زال أهلُ الوَرَعِ الشَّحيح، والخوفِ العظيم يُقِرُّونَ بذنوبهم ويذمُّون أنفسَهم بذلك. وقد روى الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ، عن أبيه، قال:


(١) " روضة الطالبين " ١١/ ٢٢٥ بتحقيقنا مع صاحبنا الشيخ عبد القادر الأرنؤوط نفع الله به.

<<  <  ج: ص:  >  >>