للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يدلُّ على ما ذكرته، فلا معنى للقولِ بأن التشديد هو المتأخر، وهذا كله على تقدير التسليم الجدليِّ لتعارض الآيات والأحاديث في الوعد (١) والوعيد والبيان لسعة المحامل، وأن ذلك لو صح، لم يدل على كذب الرواة قطعاً، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تكذيب اليهود فيما رَوَوْهُ، وهم القوم البُهْتُ الكفرة الفَجَرَةُ، خوفاً من تكذيب حقٍّ لم يحطْ بعلمه، فكيف تكذيب أئمة الإسلام من خيرة الصحابة والتابعين الأعلام؟

وأما المختار عندي، فإنه عدم القول بالنسخ، لأنه لا يجوز العدول إليه إلا عند الضرورة، وتعذُّر الجمعِ بالتأويل الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك ممكنٌ واضحٌ.

أمَّا آياتُ الخُلود المعلومة، ففي معلومةٌ بالاتفاق، والجمع بينها وبين هذه الأحاديث واضحٌ في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، كما يأتي في (٢) الكلام على هذه الآية الشريفة. ولا أصح من تأويلٍ نصَّ عليه التنزيل، وسوف يأتي هذا وما يتعلق به المخالف من التشويش فيه والجواب إن شاء الله تعالى.

وإنما نذكر هنا ما أشكل على أهل الإنصاف والعلم التام بالحديث، والعناية التامة بالجمع بين ما اختلف من الكتاب والسنة، وذلك أنها صحت أحاديث الشفاعة في إخراج أهل الكبائر من النار تخصيصاً لكتاب الله تعالى، كما خصَّ صاحب الصغيرة عند الجميع في (٣) قوله تعالى: {ومن يعصِ الله ورسوله} [النساء: ١٤]، أو كما خصَّ صاحب الدين عند المعتزلة بالحديث من قوله: {إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} [التوبة: ١١١] الآية، ومِنْ قوله: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} [الصف: ١٠]،


(١) في (ف): " والوعد "، وهو خطأ.
(٢) " في " ساقطة من (ش).
(٣) في (ف): " من ".

<<  <  ج: ص:  >  >>