للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي أصرحُ من الأُولى، لأن الإيمان مقيَّدٌ فيها (١) بالله ورسوله معدىً (٢) إليه، فلم يحتمل تفسيره بأكمل الإيمان.

وأصرح منهما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُم} [محمد: ٤ - ٦]، وإنما الإشكال في الجمع بين أحاديث الشفاعة، وأحاديث العفو المُطْلَقِ التي فيها: " أن من مات يشهدُ أن لا اله إلاَّ الله، خالصاً من قلبه، حرَّمه الله على النار، أو لم تَمَسَّهُ النار " (٣)، وهي كثيرةٌ، وبعضُها في فضائل الأعمال كحديث ابن مسعودٍ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " حُرِّمَ على النار كلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قريبٍ من الناس " رواه أحمد بإسنادٍ صالحٍ (٤) وهو الخامس والسبعون بعد المئة من مسنده. من " جامع ابن الجوزي "، وذلك أن أحاديث الشفاعة تقتضي خروجهم من النار بعد أن صاروا حُمماً وفحماً، وهذه تقتضي خلاف ذلك.

والجواب عن ذلك من وجوهٍ، وإن كان في بعضها بُعْدٌ، فالسمعُ دلَّ عليه كما دل على تأويل الضرب بالضِّغثِ، والذبح بالفداء، والخمسين الصلاة بخمسٍ، وأغربُ من الجميع اشتراطُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلَ الله لعنَهُ لبعض من آمن به رحمةً وزكاةً (٥) وقد علم من حديث مُعاذٍ وغيره إخفاءُ كثير من الرَّحمة للمصلحة، بخلاف التأويل البعيد بالرأي.

الوجه الأول: ما ذكره أهل السُّنَّةِ، ممن نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية - أن الله تعالى قد علَّق الأمر في ذلك على مشيئته في قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: ٤٨].


(١) " فيها " ساقطة من (ش).
(٢) في (ش): " تعدى ".
(٣) تقدم تخريجه ٣/ ٣٥٠.
(٤) " المسند " ١/ ٤١٥. وهو حديث صحيح بشواهده، وأخرجه أيضاً هناد بن السري في " الزهد " (١٢٦٣)، والترمذي (٢٤٨٨) وقال: حسن غريب، وصححه ابن حبان (٤٦٩) و (٤٧٠)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٥) انظر ص ٩١ من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>