للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا من أهل العربية، وصنفوا على قانون لسانِ العريب، وقد علمنا أن من قرأ في الفقه، عَلِمَ مُرادَ الأئمة في التحليل والتحريم، والصلاة والبيوع وسائر علم الفروع، وإن لم يكن يَعْرِفُ العربيةَ إلاَّ النادر القليل بما يتعلق بالدقيق مِن علم العربية مثل بعضِ مسائل الطلاق، وذكر المصادر، وتعليقِ الشرط على الشرط ونحو ذلك، وهذه النوادرُ مَنْ بَحَثَ عنها، وتعلمها من علماء العربية، وفهَّموه إيَّاها فَهِمَها، وإن لم يعلم بقيَّةَ عِلْمِ العربية، إن كان من أهل الذكاء، وإن لم يكن من أهل الذكاء، فلن ينفعه، وإن قرأ العربية بأسرها.

وكذلك الكلامُ فيما يتعلق بالتحليل والتحريم من الكتاب والسنة أكثرُه جليٌّ إلاَّ النادِرَ، ولأجل ذلك النادر اشْتُرِطَ تَعَلُّمُ العربيةِ على المجتهد في العلم على الإطلاق دونَ المجتهد في بعض المسائل، ويؤيد ما ذكرتُه لك أن العامَيَّ إذا استفتى العالمَ، وأفتاه العالمُ بكلام مُعْرَبٍ غيرِ ملحونٍ، جاز لِلعَامِّي أن يعمل بما فهِمَ مِن كلام العالم، وإن لم يعلم العربيةَ، وكذا في مسألتنا.

الحجة الثانية: على أنَّه لا يقتضي الافتراقُ في العربية تعسيرَ الاجتهاد على الإطلاق أنا نظرنا إلى الأحاديثِ التي عَمِلَتْ بها الصحابةُ في الأحكام، فعلمنا معنى أكثرهَا مِن غير عربية، ونظرنا إلى ما فَهِمْنَا منها: هل يُخالِفُ ما فهموه؟ فلم نجده يُخالِفُه، ألا ترى أنا نفهم من قول المغيرةِ، ومحمدِ بنِ مسلمة أن الرسول عليه السلام فرض للجَدَّةِ السدس (١) مثل ما فَهِمَ أبو بكر من هذا حينَ أخبراه به، وأمثال هذا ما لا يُحصى كثرة.

فإذا عرفتَ هذا فنقول: المجتهد إما أن يكونَ مجتهداً على الإطلاق، فهذا يجبُ أن يعرِفَ العربيةَ، وإما أن يكون مجتهداً في مسألة معيَّنة، فتلك


(١) تقدم تخريجه في الجزء الأول صفحة ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>