للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَصَّ المنصورُ بالله عليه السلامُ على أن العَمَلَ بالظن الرَّاجِحِ واجبٌ، والعمل بالظن الضَّعيفِ حرامٌ، فدلَّ على ما قلناهُ بعُمومِ قوله وظاهرِ لفظِه، والتَّخريج مِن العموم هو أرفَعُ درجاتِ التَّخريج وأصحُّها.

فإن قلتَ: عمومُ كلامِه يقتضىِ وُجوبَ الالتزام (١) أيضاً.

قُلْتُ: هذا لا يَصِحُّ لوجهين.

أحَدُهما: أنه مُعَلَّلٌ بعلَّةٍ تقتضي تخصيصَه في هذه المسألة، وتُوجبُ فسادَ التَّمسُّكِ به في هذه الصُّورة، والتخريجُ على هذه الصورَةِ لا يجوز.

الثاني: أنَّا لو سلَّمنا أنَّه عمومٌ سالِمٌ مِنْ هذه السَّائِبَةِ، لم يصحّ التَّخريج (٢) منه مع وُجودِ العُموم الذي تمسكنا به، لأنَّهما تعارضا، وأحدُهما معلَّلٌ بِمَا يقتضي عدمَ التَّخصيص، والثاني غيرُ مُعَلَّلٍ، والمعلَّلُ أرجحُ، ومَع الرُّجحانِ لا يبقى ظَنٌ لمذهب العالِمِ، فلا يَحِلُّ نسبةُ المذهب إليه مِنْ غيرِ عِلْمٍ ولا ظَنٍّ، والله أعلمُ.

النظر الثالث: أنِّي أذهبُ إلى ما ذهب إليه المنصُورُ بالله عليه السلام مِنْ وُجوب التزامِ مذهبِ إمامٍ مُعَيَّنٍ في مسائِلِ الخلافِ متى غَلَبَ على ظَنِّ المقلِّدِ أنَّه أعلمُ وأورَعُ، ولا أرى خلافَ ذلِكَ، وليس قولي يناقِضُ هذِهِ الجُمْلَةَ؛ لَأنَّهَا عمومٌ معلَّلٌ بالرُّجحان، وخصِّصَت منها صورَة حَتَّى يظلَّ ذلِكَ الرُّجْحَان، بل حين انعكس، فصارَ الرَّاجِحُ مِنْ ذلِكَ

مرجوحاً، والقويُّ ضعيفاً، وتخصيصُ العموم ليس بمناقَضَةٍ، فبانَ لكَ بهذا أنِّي قد وافقتُ المنصورَ والجمهورَ أوَّلاً وآخِراً، ودُرْت مع الحق


(١) في (ب): التزام.
(٢) في (ب): " التحريم "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>