للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنتصرُ بها لمذهب المنصورِ بالله عليه السَّلامُ.

قال: الثالثة أنَّه يلزم مِنْ ذلك التَّناقض كما لو كان مجتهدٌ يحملُ الأمر على الوجوب، فيُوجب العمرة بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] ويوجب ركعتي المَقَام بقوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] وكان مجتهدٌ آخر يَحْملُ الأمرَ على النَّدب، ويقضي في هاتين المسألتين بالنَّدب وعدم الوجوب، فيأتي مقلِّدٌ فيقولُ: أنا أرجِّح (١) مذهبَ أحدهما في مسألة وأختاره، وأرجِّحُ مذهبَ الآخر في الأخرى وأختاره، فيكون هذا قائلاً: إنَّ الأمر يقتضي الوجوب، وإنَّ الأمر لا يقتضي الوجوبَ، اللهُمَّ إلاَّ أنْ يحصُلَ مرجِّح ظاهرُ القوَّة يُصْرَفُ به الأمرُ من (٢) حقيقته إلى مجازه، وهذا يحتاج إلى اطِّلاعٍ في العلوم، وعضٍّ عليها بالنَّواجذِ، وركوبِ أخطارٍ، وارتحالٍ، وتنقُّلٍ في الأقطار.

أقول: الجوابُ عليه في هذا يَتمُّ إن شاء الله تعالى بذكر أنظار.

النَّظر الأول: أنَّ السيدَ استدلَّ، ثم استثنى، والاستثناءُ لا يصح في البرهانِ والإسلام، وكلُّ ما لا يتجزَّأ ولا ينقسم، ولا خلافَ في هذا بين العُقلاء، وإنَّما يصحُّ الاستثناءُ في ذواتِ الأجزاء، كقول القائل: عليَّ لفلانٍ عشرةٌ إلا درهماً، وقام القومُ إلا زيداً، وأمَّا القول بأنَّ الأمر صحيحٌ أو باطلٌ بدليل كذا وكذا، إلا أن يكونَ كذا وكذا، فهذا فاسدٌ قطعاً، لأنَّه بمنزلة أن يقول: هو صحيحٌ إلاَّ أنْ لا يصحَّ، وباطلُ إلاَّ أن لا يبْطُل، بدليلِ أنَّ الاستثناءَ ممَّا لا جُزْءَ له لا يكون معناه إلا التردُّدَ والاحتمال، ولا


(١) في (ب): " رجح " وهو خطأ.
(٢) في (ب): عن.

<<  <  ج: ص:  >  >>