للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعيد لم يُعْهَدْ مِثْلُه، إنَّما يُجرح رجل معيَّنٌ بشيء معيَّن، وأمَّا جرح قبيلة من المسلمين فلم يُعهد مثل هذا، ولا نُقِلَ عن أحدٍ من أهل العلم.

الحجة الثالثة: وفدُ عبدِ القيس، ولم أعلم ما وجهُ تخصيصِهم بالذكر، فإنَّهم من جملة الأعراب إلاَّ أنَّه ارتدَّ منهم من ارتدَّ بعد الإسلام.

والجواب على ما ذكره من وجوه:

الأول: أنّ إسلامهم يقتضي قبولَ حديثهم ما داموا مسلمين، وردَّتُهم تقتضي ردَّ حديثهم من بعد أن ارتدوا، ولا مانع مِن ورود التعبُّد بهذا في العقل، ولا في الشرع المنقول بالتواتر المعلومِ معناه، بل قد بيَّنا فيما تقدم قبولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن أسلم عقيبَ إسلامه، والدليلُ عامٌ لوفد عبدِ القيس ولغيرهم.

الثاني: إمَّا أن يكون السَّيِّد أنكر قبولَهم، لأن من أسلم لا يُقْبَلُ حتى يُختبر، أو لأنهم ارتدُّوا بعد الإسلام، إن كان الأوّل، فقد بيَّنا أنَّ قبولهم مشهور منسوب إلى طوائف الإسلام من الزيدية والمعتزلة والشافعية والحنفية، وسائر الفرق، وبينا الأدلةَ على ذلك وبيَّنا أنَّ أقصى ما في الباب أن لا يترجَّح للعالم موافقة الجماهير على هذا، لكن لا يَحِلُّ له الإنكارُ عليهم وإن كان السَّيِّد يُوافق أنَّ قبولَ المسلمين في ذلك الزمان قبل الاختبار غيرُ منكر، وإنّما أنكر قبول المسلم الذي يريد أن يرتدَّ بعد إسلامه، فهذا لا يصح لأمرين:

أحدهما: أنَّ العلم بأنَّه يُريد أن يرتدَّ من قِبَل علم الغيب الذي استأثر الله به، وقد حكم أميرُ المؤمنين -عليه السلام- بشهادة شاهدين، ثم انكشف أنهما شهدا من غير علم فلم يلزمه من ذلك محذور.

<<  <  ج: ص:  >  >>