للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاجتهاد إلا مَنْ شَذٍّ مِن متكلمة البغدادية، وانطبق إجماع السَّلَفِ الصالح على ذلك قَبل حدوث هؤلاء المخالفين، وأصفق فضلاءُ الأمة، ونجوم الأئمة بعدَهم على ذلك، ودانوا به قَرْناً بعدَ قرنٍ ما أنْكرَ ذلك أحَدٌ، ولا شَكٍّ فيه مسلم.

وقد أورد ابن الخطيب الرازي (١) في " محصوله " (٢) هذه الشُّبهة بأطول من كلام السَّيِّد وأوسعَ، وهي إحدى دواهي كتابه، ولكنَّه هذَّبها على أسلوبٍ دقيقٍ يصعب على كثير من الناظِرين فيه كيفية الانفصالِ منه، لكنَّه أجاب عنها، ولم يسْكُتْ عليها كما فعل السَّيِّد -أيده الله-، والسيد منزَّه عن قصد التشكيك في الإسلام، ولكنه لما وَلِعَ بالتعنُّتِ في رسالته، لَزِمَه ذلك من غيرِ قصد، والتعنتُ والغُلُوُّ في الأمور يجر الإنسان إلى ما لم يقصد، ويجرُّ إليه ما يكره، ولهذا جاءت السنة بالاعتدال في جميع الأمور.

الجواب السَّابعُ: قال الله تعالى في حقِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤] وقال اللهُ تعالى فيما أوحاه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩].

وهذا يقتضي أن شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تزالُ محفوظةً، وسُنَّتُه لا تبرح محروسةٌ، فكيف يكثر السَّيِّد -أيَّده الله- في تشويش قلوبِ الراغبين


(١) هو الإمام الأصولي النظار المفسر فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى سنة ٦٠٦ هـ.
(٢) انطر الجزء الأول ق ١ ص ٢٧٥ - ٢٩٧ بتحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني.

<<  <  ج: ص:  >  >>