الاجتهاد، وهذا يؤدي إلى أنَّ الاجتهاد محالٌ أبداً في قديم الزمان وحديثه، لأن المحال لا يَصِحُّ في وقت الصحابة، ولا يُمْكِنُ في عصر التابعين، ولا يتيَسَّرُ لأحدٍ من العالمين.
وأمَّا قولُه: إنَّه يحتاج إلى معرفة علوم الاجتهاد ومنها معرفة التفسير، فيلزم الدور، فهذه زخرفة عظيمة، ولا يمضي مثلُها إلا على الأغمار، ولا تَنْفَقُ بضاعتها في سوق النُّظَّار. وبيان أنها مجردُ زخرفة أنا نقول: ما مرادُك بأنَّه يحتاجُ إلى علوم الاجتهادِ -ومنها معرفة التفسير-؟ هل مرادُك يحتاج إليها كُلِّها إلا تفسيرَ القُرآن باللغة فلا دورَ في هذا، لأنَّ الفرض أنه قد عَرَف اللغةَ، واحتاج إلى سائرِ الفنون، فيجبُ أن يتعلَّمَ سائرَ الفنون، فإذا تعلَّمها، وأضاف معرفتَه لها إلى معرفته باللغة فسَّر القرآن، ولا إشكال ولا دَوْرَ؟ أو مرادُك يحتاج إليها كُلِّها حتى التفسيرِ باللغة؟ فلا يصح هذا لوجهين:
أحدهما: أنَّ كلامَنا فيمن عَرفَ اللغة، واحتاج إلى ما عداها، فلا يَصِحُّ أن يُجْعَلَ العارفُ للشيء محتاجاً إلى معرفته غيرَ متمكِّنٍ منها.
الوجه الثاني: إذا سلَّمنا أنَّه محتاج إلى المعرفة باللغة مع سائِر علُومِ الاجتهادِ صحَّ عند كُلِّ عاقل أن يتعرَّف اللغة، ثم يتعرَّف سائرَ علوم الاجتهاد من غير تمانعٍ ولا دور. ولو جاز أن يُقَال في مثل هذا: إنَّه دور، لقلنا بمثل ذلك في معرفة السُّنَّةِ وما يتعلق بها من اللغة، وفي سائر المعارف الاجتهادية. وهذا كلامٌ نازل جداً، واستدلالٌ لا يتماسَكُ ضَعفاً، واحتجاجٌ لا تقبله الأذهانُ، ولا تُصغي إليه الآذانُ.
قال: "وأمَّا الأصلُ الثالث -وهو معرفة الناسخ والمنسوخ- ففيه صعوبةٌ كلية، لأنَّا نحتاج في ذلك إلى قولِ الرسول: هذا ناسخ وهذا