ويُشهِرُونَ فضائحَهَ حتى يتواترَ ذلك، والعادات جاريةٌ مستمرة بمثل هذا في كل زمان، ولو جوَّزنا أن أحداً يُظْهِرُ في زمانهم مثلَ هذه الأكاذيب على الله، وعلى رسوله ولا يتواتر عنهم مقابلتُه بما يستحقه مِن التنكيل والتكذيب، لجوزنا أنَّه قد كان مِن غير أبي هريرة مثلُ ذلك من المستورين المقبولين، ولم يُقَابلْ ذلك بشيء منهم ألبتة حتى خَفِيَ حالُهم على أهل الإسلام وإنما يُمْكِنُ وضعُ المثالب فيه، وفي أمثاله بعدَ تطاولِ الزمان، وتدريبِ مَنْ لم يعرف مناقبه قطُّ على بُغضه ونسبه، ولذلك حَكَمَ نُقَّادُ علم هذا الشأن أن تعمُّدَ الوضعِ ما ظَهَرَ وَكَثُرَ إلاَّ في أيام بني العباس، وذلك حين كَثُرَ الجَهْلُ، وأمكن الغرورُ، ثم أفادني مولانا الإمامُ المنصور بالله عليه السلام فائدةً جليلة، وهو أنَّه عليه السلام وقف على معارضةٍ لما نقله الإسكافي (١) -إن صحَّ عنه ما تقدمَ- عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلامُ أنَّه أثنى على أبي هُريرة بالصدْقِ في الحديث، ودفعَ عنه أو نحو ذلك، وَقَفَ عليه مولانا عليه السلامُ في بعضِ كُتُبِ الرِّجال والتواريخ، وإليه المنتهى سلامُ الله عليه في سَعَةِ الاطلاع، والورعِ في الرواية، والتثبت في النقل، فالحمد لله رب العالمين.
الوجه الثاني: أنَّهُ قد تواتر عن أبي هُريرة أنَّه كان أرفعَ حالاً من هذه المنزله الخسيسةِ التي لا أَسْقَطَ منها، فإِنَّه لو كان لوطيّاً، أو مجمعاً للفساد وأهلِه، لكان خيراً له من مرتبة الزندقة في الإسلام، فإن تلك معصيةٌ لا تتعدى إلى غير صاحبها، والحامِلُ عليها شِدَّةُ الشهوة، والشَّبَقُ، والخِسَّةُ، وهذه
(١) هو محمد بن عبد الله الإسكافي البغدادي أبو جعفر أحد متكلمي المعتزلة، وإليه تنسب الطائفة الإسكافية، أصله من سمرقند، أخذ الكلام عن أبي جعفر بن حرب، وله مناظرات مع الكرابيسي وغيره. قال ابن النديم: كان عجيب الشأن في العلم والذكاء والصيانة، ونبل الهمة والنزاهة بلغ في مقدار عمره ما لم يبلغه أحد، وكان المعتصم يعظمه جداً. توفي سنة ٢٤٠ هـ " لسان الميزان " ٥/ ٢٢١.