للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معصيةٌ، الحاملُ عليها بغضُ الله ورسولهِ وأميرِ المؤمنين، ومضرتُها دائمة للإسلام والمسلمين، ولا يمْكِنُ صدورُ مثل هذا من مؤمن ألبتة، ولذلك صح " أن بُغْضَ أميرِ المؤمنين نِفاق " (١). فكما أنَّه لا يُصَدَّق من زعم أن أبا هُريرةَ كان لوطياً مشهوراً في محافلِ الصحابة بذلك، ولم يقتلوه، ولم ينفوه، فكذلك لا يصِحُّ أن يكون معروفاً عندهم بتعمد الكذب على رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مثالب سيدِ المسلمين في عصره، ولا يقتلوه أو ينفوه، ولا يكذبوه ويُنَكِّلوا به، وقد ذهب الجُوينيُّ (٢) وغيره إلى أن تعمُّدَ الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُفْرٌ وَرِدَّةٌ، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} [الزمر: ٣٢] مع قوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤] وقولهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] ولذلك نزه أهلُ البيتِ الخوارِجَ النواصِبَ مِن تعمُّد الكذب، وقَبِلُوا حديثهم وهُمْ كِلاب النَّار (٣).

فإن قلت: لم يكن مشهوراً بالكذب وتعمُّدهِ على عصرهم، وإنما بَانَ هذا بَعْدَ مُدَّةٍ.


(١) قطعة من حديث أخرجه مسلم (٧٨) من حديث علي رضي الله عنه قال: " والذي فَلَقَ الحبة، وبرأ النسمة إنَّه لعهدُ النبيِّ الأميِّ - صلى الله عليه وسلم - إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق ".
(٢) هو أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين، شيخ الشافعية في عصره المتوفى سنة ٤٣٨ هـ، قال الإمام الذهبي في " السير " ١٧/ ٦١٨ وهو صاحب وجه في المذهب، وكان يرى تكفير من تعمد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وفي " طبقات السبكي " ٥/ ٩٣: وصار الشيخ أبو محمد إلى أن من كذب متعمداً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر وأريق دمه. ذكره ابنه في "كتاب الحرية" عنه، وأنه كان لا يخلي الدرس من ذكره إذا انتهي إلى ذلك. وانظر "فتح الباري" ١/ ١٩٩ - ٢٠٣ الطبعة السلفية.
(٣) حديث صحيح، أخرجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى أحمدُ ٤/ ٣٥٥ و٣٨٢، وابن ماجه (١٧٣)، وأخرجه من حديث أبي أمامة أحمدُ ٥/ ٢٥٣ و٢٥٦، وابن ماجة (١٧٦) والترمذي (٣٠٠٠) وحسنه. والحاكم ٢/ ١٤٩، وصححه، ووافقه الذهبي. وانظر " مصباح الزجاجة " ورقة ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>