للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن هذا عذرٌ للعبد، وأن بِنيته عليه تنافي قولهم بوجوب إزاحة الأعذار، وتُنافي قولهم: إنهم خُلِقُوا على الفطرة.

وأما أهل السنة، فإن الله بناهم على بِنيةٍ تقبل اللطف، بل بناهم على الفِطرة، ولكنه ترك هداية من أراد لما له في الابتلاء بذلك من الحكمة. وقد بَسَطْتُ القول (١) في هذا الوجه في مرتبة الدواعي، وهي المرتبة الثالثة في الوجه الثالث من الجواب، فانظره هناك.

فهذا ما حضرني في هذا الوجه الخامس من أدلة الجميع على الإنصاف، فمن وضح له فيه بُرهان صحيح، فذاك، ومن لم يتَّضِحْ له فيه البرهان، وكل العلم فيه إلى الله سبحانه مع القطع، وعدم الشك في القواعد الثلاث:

أحدها: القطع بعموم قدرة الله تعالى.

وثانيها: القطعُ بنفوذ مشيئة الله سبحانه.

وثالثها: القطع بتمام حجة الله على عباده بالتمكين، ونفي الجَبْرِ، والله سبحانه أعلم.

المرتبة الثالثة: إطلاقهم الوجوب مع بقاء الاختيار بالنظر إلى شرط تأثير القدرة، وهو الداعي، وهو المُسمَّى بالتيسير في كتاب الله، وفي أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يأتي عند أحاديث القدر في المرتبة الرابعة في قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُه لِلعُسْرَى} [الليل ٧]، وقوله: " كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لهُ " (٢)، وهو المعبر عنه بالهُدى والإضلال في قوله تعالى: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهدي مَنْ يشاء} في أكثر آيات كتاب الله تعالى، وليس الإضلال يقتضي نفي أفعال العباد، ولا نفي اختيارهم فيها، كما أنَّ الهُدى لا يقتضي ذلك عند المعتزلة.


(١) في (ش): الكلام.
(٢) تقدم تخريجه ص ٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>