للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونُ سبب هلاكه من قبيل إرادة هلاكهم عقوبةً لهم على عُتُوهِّم وإصرارهم. وقد تلخص أن هذا موضع الخلاف فانظر بإنصاف، ولو كان ذلك من الزيادة في الإحسان بالتعريض للأجر، لوجب أن يرغب كل عاقل إلى الله أن يجعله من أهله، فلمَّا علمنا ضرورةً من جميع العقلاء أنهم يستعيذون بالله من ذلك، علمنا أنه من قبيل العقوبة المستحقة بعظيم الذنوب، نعوذ بالله منها.

وقد تقدم هذا المعنى مبسوطاً غير أنه يختص ها هنا أنه سبب الخلاف، ولا شكَّ أن صيانة المكلَّف منه لينجو من العذاب إحسانٌ يوجب الشكر، وأن قصد الإحسان به مع العلم كالعمل بغير العلم، بل هو على خلاف المعقول بغير شكٍّ.

وقد انتهت المعتزلة هنا إلى أن الله خصَّ بعض المكلفين بأن خلقه على بِنيةٍ تقبل اللطف، ولم يزِدْ في شهوتِه زيادةً توقعه في المحظور، وهذا هو التيسيرُ لليُسرى، أو هو منه، وبعضهم بأن خلقه على بِنيةٍ لا تقبله، وبعضهم بأن خلق له شهوةً زائدة تُوقعه في المحظور زيادةً في الابتلاء، وهو التيسير للعسرى في كتاب الله، أو هو منه، وكل ذلك لحكمةٍ جلية أو خفيةٍ استأثر الله بعلمها. ذكر بعض ذلك السيد في آخر تفسيره المذكور، وبعضه ابن الملاحمي في " الفائق " كما تقدم.

فرجعوا بعد السفر الطويل، والتعسُّف الكثير في التأويل إلى ما بدأ به أهلُ السنة من تقرير النصوص على أن الله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وهو الحكيم العليم، بل إلى أبعد (١) من قول أهل السنة عن مقاصد أهل السنة، فإنهم قصدوا في الابتداء المبالغة في تمكين العبد، وإزاحة أعذاره، ثم رجعوا إلى أن الله تعالى قد بنى العصاة على بِنيةٍ قاسية يمتنع قبولهم منها لجميع ألطاف الله تعالى مع أنه اللطيف لما يشاء.


(١) في (ش): بل بدا، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>