فإن قيل: فلِمَ خصَّ الله تعالى بعض عباده في أول أحوال التكليف بالتخلية مع التمكين مع علمه أن ذلك وسيلة إلى الهلاك دون من لطف به؟
قلنا: لا يجب العلم بتفصيل (١) حكمة الله في ذلك على جميع المذاهب.
وقد جوَّز أبو هاشم وجمهور المعتزلة الزيادة في الامتحان للمُكَلَّفين، مثل الزيادة في شهوات المكلف بحيث يُوقِعُهُ في المحظور، ومثلُ خلق الشيطان مع العلم بأنه يُغْوي به من ثم يكن يَغْوِي لو لم يُخْلقْ، واحتجوا بنحو قوله:{فأخْرَجَهُما مِمَّا كانا فيه}[البقرة: ٣٦] وظواهر كثيرة نحوها، ولم يخالف منهم في ذلك إلاَّ أبو علي، وألزموه أن لا يُكلِّف الله من عَلِمَ أنه يعصي لأنهما سواء.
فقول أبي هاشم والجمهور منهم، كقولِ أهل السنة في تجويز الإضلال لحكمةٍ سواء، لم يختلفوا إلاَّ في العبارة عند التحقيق.
ومن العجب أن السيد المجاب عليه اختار ذلك وصحَّحه، ونسبه إلى الجمهور، وختم بذلك تفسيره " تجريد الكشاف المزيد فيه النكت اللطاف " فهي آخرُ مسألةٍ فيه.
وأما قول المعتزلة بخلق العُصاة على بِنيةٍ لا تقبل اللطف في قدرة الله وعلمه لحكمة لا نعلمها فغُلُوٌّ في الإضلال، وتجويزه على حدٍّ لا يُجَوِّزُ عليه أحد من أهل السنة مع تشنيعهم على من جوَّز عقوبة العصاة بالإضلال الواردِ سمعاً الجائز عقلاً، فالله المستعان.
ثم يطلبون في تفسير الإضلال التأويلاتِ البعيدة كالإضلال عن طريق الجنة في الآخرة، وتأويله بهذا الذي ذهبوا إليه أوضحُ فافْهَمْ ذلك، ولكن عند المعتزلة خلق الشياطين، وزيادة الشهوات، والدواعي الموقعة في العذاب الدائم من قبيل الإحسان بالتعريض للأجر من الله تعالى لمن عَلِمَ أنَّ ذلك