للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدلة (١) الطائفتين.

فأمَّا أهل السنة، فأدلتهم على ذلك كثيرةٌ، والذي حَضَرني منها ثلاثة:

الدليل الأول: أنه (٢) لا بد لله تعالى من حكمةٍ في خلق من عَلِمَ أنه من أهل النار عند الجميع كما يأتي إن شاء الله تعالى، والذي عيَّنته المعتزلة وجهاً للحكمة في ذلك هو إرادة الحكيم إلى تحصيل ما علم أنه لا يكون، وذلك يستلزِمُ توجيه إرادة الحكيم إلى تحصيل ما يمنع علمه الحق بالغيوب من إرادة حصوله، وذلك خلاف المعقول والمنقول كما سنوضِّح ذلك إن شاء الله تعالى، ونوضِّح ما اعتذر به بعضهم من توجيه إرادته تعالى إلى مجرد التعريض إلى تحصيل ما عَلِمَ أنه لا يحصُلُ، ويأتي بُطلان هذا العذر، فلا بد من الرجوع إلى الإيمان (٣) بأن لله تعالى حكمةً في ذلك، وإن لم تُدركها العقول، كما صرح بذلك حُذَّاقُهُم، منهم الزمخشري في " الكشاف " (٤) في تفسير قوله تعالى: {إنِّي أعلَمُ ما لا تعلمُون} [البقرة: ٣٠] فإنه قال ما لفظه: فإن قلت: هلاَّ بيَّن لهُم تلك المصالح؟ قلت: كفي العباد أن يعلموا أن أفعال الله كلها حسنة وحكمةٌ (٥)، وإن خَفِيَ عليهم وجهُ الحُسْنِ والحكمة.

وأوضحُ من هذا وأصرحُ: ما ذكره الزمخشري (٦) في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِن} [التغابن: ٢] فإنه قال فيه ما لفظه: فإن قلت: نعم إن العباد هم الفاعلون للكُفْرِ، ولكن قد سَبَقَ في علم الحكيم أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلاَّ الكفر، ولم يختاروا (٧) غيره، فماذا دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم، وهل خلقُ القبيح وخَلْقُ فاعل القبيح إلاَّ واحدٌ؟! وهل مثله إلاَّ مثل منْ وَهَبَ سيفاً باتراً لمن شُهِرَ بقطع السُّبل وقتل النفس


(١) في (ش): نص.
(٢) ساقطة من (أ).
(٣) في (أ): " الإتيان " وهو خطأ.
(٤) ١/ ٦٢.
(٥) ساقطة من (ش).
(٦) ٤/ ١٠٣ - ١٠٤.
(٧) في (ش): " ولم يجاوزوا " وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>