للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم، وإنما قصدُهُم إضلال العباد عن الدين، وتحريف شريعة ربِّ العالمين، وهذا عدوان على المسلمين ومخالف (١) لمذاهب المعتزلة والمتشيِّعين. وقد نصَّ في " اللُّمع " -التي هي مدرس الزيدية- على أن الجبر والتشبيه عندنا من جهة التأويل والتدين. وقد تقدم الجواب على هذا في مسألة المتأولين من وجوهٍ ثلاثة، فخذه من هنالك. فلولا خوف الإطالة لأعدته.

الوهم السابع والعشرون: وهم أنهم أنكروا القدر الضروري في شكر المنعم، لأنهم قالوا: شُكْرُ المنعم لا يجب عقلاً، وإنما يجبُ سمعاً، وليس كما وهم، فإنهم في تلك المسألة المرسومة في الأصول إنما نازعوا في معرفة العقل لوجوب شكر المنعم الذي هو الله جل جلاله، لأنه غنيٌّ عنه، لا يمكن أن ينتفع به، ولا يتضرر بتركه، مع أن الشكر قد يكون فيه مضرَّة على العبد ومشقَّةٌ، قالوا: فلو خُلينا وقضية العقل، لم نعلم بها وجوب ما هذه صفته.

قال الجُويني في " البرهان " (٢) ما لفظه: والبرهان القاطع في بطلان ما صاروا إليه أن الشكر نعتٌ (٣) للشاكر بأجرٍ، ولا يُفيدُ المشكور شيئاً، فكيف يقضي العقل بوجوبه؟ وقد ردت عليهم ذلك الشيعة والمعتزلة بأن الوجه فيه: أن العبد يخاف مضرة العقاب من سيده على ترك الشكر، وليس هذا في محل الضرورة، ولا ادعت المعتزلة فيه الضرورة.

ومن العجب أن الأشعرية عرفوا مذهب المعتزلة في ذلك، وما عرفه السيد، فإن المعتزلة لم تدَّع أن وجوب الشكر في حق الله تعالى ضروري.

قال الجويني في هذه المسألة: وليس ذلك عند المخالفين واقعاً في قسم الضروريات، وإنما هو مُدرَكٌ بالنظر عقلاً، ومنوطٌ بمسلكٍ يوضحه.


(١) في (ش) و (د): ومخالفة.
(٢) ١/ ٩٤.
(٣) تصحفت في (أ) إلى: تعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>