للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال في بيان هذا المسلك ما لفظه: وللخصوم مسلكان: أحدهما: التَّعلُّق بتغافل العُقلاء شاهداً، ويزعمون (١) أن الشكر واجبٌ شاهداً، ثمَّ يقضون بذلك على الغائب. انتهى (٢).

فإن قلت: فقد خالفت الأشعرية في وجوب الشكر في الشاهد، وهو ضرويٌّ؟

قلت: لم يُخالفوا في القدر الضروري منه، وإن القدر الضروري منه ما نجده في نفوسنا من استحسان فعله، وقُبحِ تركه، وهم ما نازعوا في وجدان ذلك في النفوس، واستحكامه في الطِّباع، وإنما خالفوا في سببه وعلته، وقالوا: إنه يحتمل (٣) وجوهاً ثلاثة:

أحدها: أن يكون المرجع به إلى الشهوة والنُّفرة، فإن المُحسن في الشاهد لما كان يلتذُّ بالشكر، ويتألَّم بتركه، وقد جُبِلَت النفوس على حبِّ المحسن، وجب في الطبع شهوة ما يلتذُّ به والنفرة عما يتألَّم به، وهم لم ينازعوا في التحسين بالنظر إلى الشهوة، والتقبيح بالنظر إلى النُّفرَة.

الوجه الثاني: أن يكون هذا مستنداً في العادة، مثل استقباح كشف العورة، ونكاح الأمَّهات قبل ورود الشرع وبعد ثبوت العادة، فإن الكفار يستقبحون كثيراً من القبائح الشرعية لأجل العادة.

الوجه الثالث: أن يكون الشكر صفة كمالٍ كالعلم، وتركه صفة نقص كالجهل.

وقد نص الرازي وغيره على أنهم لا يُخالفون في هذه الوجوه الثلاثة، قال:


(١) في (د) و (ش) و" البرهان ": فيزعمون.
(٢) " البرهان " ١/ ٩٥ - ٩٦.
(٣) في (١): يحمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>