للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الأول: المعلولُ، ومثالُه: أن يرفَعَ الحديثَ بعضُ الثِّقات، ويقفَهُ الباقون، أو يُسْنِدَه ويُرْسِلُوه، أو نحو ذلك مِن العِلَل، وهذا النَّوع ممَّا يقدَحُ في الصحةِ عند المحدِّثين، ولا يقدَحُ في الرَّاوي، ولا يقدَحُ عند الأصوليّين في الصحة ولا في الرَّاوي، والذي في كُتُبِ أهل البيتِ عليهم السلام أنَّه لا يقدح بهذا النَّوعِ.

مثالُ ذلك، حديثُ البخاريِّ عَنِ الشِّعبي، عن جابرٍ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تُنْكحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتهَا " (١). هذا الحديث رواه ثِقَات، لكِنِ المشهورُ أنَّ الشِّعْبِيَّ رواهُ عَنْ أبي هُريرة، لا عن جابرٍ، فرِوَايَةُ البُخاري له مِنْ طريقِ جابرٍ غيرُ صحِيحَةٍ عندهم لهذِهِ العلَّةِ، لأنَّ الذي يَغْلِبُ عَلَى الظن أن الشِّعبيّ لو كان يحفَظُه عن أبي هريرةَ وجابرٍ معاً، ما رواه الحُفَّاظُ الثِّقَاتُ عن أبي هريرة وَحْدَهُ.

فهذا وأمثالُه مِمَّا يقدحون بِهِ أَمْرُهُ قريب (٢) عندنا، لأنَّه إنَّما يدُلُّ علَى أنَّ الثِّقَةَ وَهم في رِوَايَته، والوَهْمُ جائِزٌ على الثِّقات، ولا يقدح بِمُطْلَقِهِ إجماعاً، بل إذا كان حِفْظُه أكثرَ قُبِلَ إجماعاً، ذكره عبد الله بن زيد في " الدُّرر "، لأن ارتفاعَهُ عَنِ البَشَير غَيْرُ مقدورٍ لهم، وإنَّما اختلف العُلماء فيما يقدَحُ به منه.

فقال جمهورُ الأصوليّين: إذا غلب الوَهْمُ على حديثه، وكان أكْثَرَ مِنَ الصَّواب أوِ اسْتَوَيَا حتَّى يَبْطُلُ ظَنُّ إصابَتِه، ولا يُمْكِنُ ترجيحُها، فهُنا يَبْطلُ الاحتجاجُ به إجماعاً.


(١) تقدم تخريجه في ٢/ ٥٤ - ٥٥.
(٢) في (ش): " قريباً "، هو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>