للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِين} [الزمر: ٣٣ - ٣٤]، ولم يقدِّم من أعمالهم إلاَّ الصدق والتصديق، ثم قال عَقِبَ ذلك: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُون} [الزمر: ٣٥]، وذلك يقتضي أنهم أحسنوا في طاعاتهم وذنوبهم، أما طاعاتهم، فأخلصوها لله تعالى وحده، واتَّبعُوا رِضوانه، وصدَقوا فيها بوعده، وركنوا فيها إلى صِدْقه وحُسْنِ الظن به، وعظيم الرجاء لفضله العظيم، واعترفوا فيها بأن المِنَّة له بهدايتهم، وتوفيقهم، وعدم خذلانهم، وأنه لم يَكِلْهُم إلى أنفسهم طرفة عينٍ، ولو وَكَلَهُم إليها، لما آمنوا، ولا أخلصُوا ولا أحسنوا، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث زيد بن ثابتٍ: " وأشهد أنك إن تَكِلْني إلى نفسي، تكلني إلى ضَيْعَةٍ وعورَةٍ، وذنبٍ وخطيئةٍ ".

رواه أحمد والحاكم (١)، وللحاكم (٢) في حديثٍ آخر عن ابن مسعودٍ، عنه - صلى الله عليه وسلم -: " وإن تَكِلْنِي إلى عملي، تقرِّبني من الشَّرِّ، وتباعدني من الخير ".

وأمَّا إحسانهم في ذنوبهم ففي وجوه:

أحدها: أنهم اعترفُوا بها كما قال تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} [التوبة: ١٠٢]، ولم يقولوا كما قال المشركون: {وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} [الأعراف: ٢٨]، فنزَّهُوا الله تعالى من قبائحهم وفضائحهم، واعترفوا بأن الحُجَّة قد قامت عليهم، وأن الملامة كلها مصروفةٌ بالحجة البالغة إليهم، وأن الله إن عذَّبهم، مستحقٌّ -في عذابه لهم- بالثناء والحمد على ما أقام فيه مِنَ العدل الواضح، وعلى ما له فيه من الحكمة الخَفِيَّة التي صار فيها عذابهم من جملة الفضل الراجح.

وفي بعض تعاليق علم الكلام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من نَزَّهَ الله يوم القيامة


(١) تقدم تخريجه في الجزء السادس.
(٢) كذا الأصول، وليس هو عند الحاكم في " مستدركه "، إنما رواه أحمد ١/ ٤١٢. وانظر ٦/ ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>