للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يمتنع كَتْمُ شيءٍ مِنَ الحقِّ الَّذي لا تَعَلَّقُ المصلحةُ بظهوره، ولا تَمَسُّ الحاجةُ إليه (١)، بل في قوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُم ولا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: ١٠٢]، ما يدُلُّ على أنَّ جهل بعضِ العُلوم أولى، ويدلُّ على هذا مفهومُ قوله تعالى: {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيه} [الزخرف: ٦٣]، وقوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، ومنه منعُ الملائكة مِمّا عُلَّمَهُ آدمُ مِنْ علم الأسماءِ، ومنعُ موسى مِمّا عُلّمَهُ الخَضِرُ مِنْ علمِ التّأويل، وفي الصحيح " أنَّ الخَضِرَ قال لموسى: إِنَّك على عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، فلا ينبغي لي أنْ أعْلَمَهُ، وإنِّي على علمٍ من عِلْمِ الله، لا ينبغي لَكَ أنْ تعلمَهُ " (٢).

قال الشيخُ: الموضعُ الثالث: تأويلُ العالِمِ مع نفسِه في سِرِّ قلبه بينَه وبَيْنَ ربِّه، وذلك لا يخلو مِنْ ثلاثةِ أوجه:

إما أن يكونَ الذي انقدح في سِرَّه هو المرادُ به مقطوعاً به، أو مشكوكاً فيه، أو مظنوناً ظنّاً غالِباً، فالمقطوعُ به معدومٌ؛ لأن معرفته مِنْ


= قلت: ظاهره غير مراد، لأن الأدلة من الكتاب والسنة متضافرةٌ على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون، ثم يخرجون من النار بالشفاعة، فتأوله العلماء فيمن قرن ذلك بالأعمال الصالحة، أو قالها تائباً، ثم مات على ذلك، أو أن ذلك خرج مخرج الغالب، إذ الغالبُ أنَّ الموحد يعمل الطاعة، ويجتنب المعصية، أو أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها.
والقول بأن ذلك كان قبل نزول الفرائض فيه نظر، لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم في " صحيحه " (٣١)، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض، وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى عند أحمد بإسناد حسن، وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة. وانظر " تحقيق كلمة الإخلاص " للحافظ ابن رجب، طبع المكتب الإسلامي.
(١) " إليه " ساقطة من (ش).
(٢) أخرجه البخاري في " صحيحه " (٤٧٢٦) من طريق ابن جريج، أخبرني يعلى بن مسلم، وعمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أُبي بن كعب رفعه .. ولفظه: " إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلَمَه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمَه .. ".

<<  <  ج: ص:  >  >>