للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُعَلَّ، فيكون هذا الحديثُ عنده من المُعَلِّ الذي لم يَصِحَّ لهذه العِلة، وهي شِدَةُ الاختلاف في سنده ومتنه.

فالعجَبُ ممن لا يعرِفُ الرِّجال، ولا هذا الشأنَ؛ كيف صَحَّحَ هذا الحديثَ تحكماً من غير معرفة، ونسب الاختلافَ إلى أبي هُريرة في إسنادِ الحديث إلى الفضلِ بن العباس، أو إلى أسامة بنِ زيد، ونسب سائرَ الاختلاف الذي في هذا الحديثِ إلى غير أبي هُريرة من الرُّواة، وأبو هريرة أعقلُ من أن يقولَ ذلك على كل تقدير؟! فإن الصادق يَثْبُتُ على صدقه، والكاذب يخاف التُّهمة من إكذابه لنفسه بتناقضِ رواياته، ولو كان هو المُتَلوِّنَ في ذلك، لذكره مروانُ، وعابه عليه، فقد كان مروانُ شديدَ الحرص على تقريع أبي هُريرة في ذلك، كما هو بَيِّنٌ في متن الحديث، فإنه اقسم على عبد الرحمان: لَيُقَرِّعَنَّ أبا هريرة بذلك (١).

الوجه الثالث: أن أبا هريرة إِنما روى الحديثَ الذي احتجَّ بهِ في الابتداء مرسلاً، ثم بينَ الواسطة بعدُ، وبَيَّنَ أنَّه الفضل بن العباس، لأن عادةَ كثيرٍ من أهل العلمِ خصوصاًً أهلَ ذلك العصر هي الإرسالُ حتى يَعْرِضَ سَبَبٌ يُوجِبُ الإسنادَ.

فمن ذلك أن يكون الراوي غيرَ شاكٍّ في صِحة ما عنده، لأنَّه لا يَعْرِفُ معارِضَاً، فحين يَعْرِفُ ما يُعَارِضُ روايتَه يقوى الدَّاعي إلى بيان مستنَدِه، وكذلك فعل الحَبْرُ عَبْد الله بنُ العباس رضي الله عنهما حين كان يُفتي أنَّه " لا رِبَا إلا في النَّسِيئَةٍ "، فلما أُخْبِرَ بتحريم الربا في الصَّرْفِ، قال: أخبرني بذلك أسامة بن زيد (٢).


(١) كما في رواية البخاري (١٩٢٦).
(٢) الحديث في " صحيح مسلم " (١٥٩٦) في المساقاة: باب بيع الطعام مثلاً بمثل، وانظر " شرح السنة " ٨/ ٦٠ - ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>