ومنهم من قال: إن عبدَ الرحمان كره ما أمر به مروان مِن إخبار أبي هريرة بذلك وكَرِهَ قصدَه لِذلك، ولم يمتثل أمرَ مروان في ذلك، وقال: ثم قُدِّرَ لنا أن نجتمع بِذِي الحُلَيْفَةِ، وكانت لأبي هريرة هناك أرضٌ، فأخبره عبد الرحمان بذلك.
ومنهم من قال عن أبي هُريرة: أنَّه قال: هما أعلمُ، يعني: عائشةَ وأمَّ سلمة، ورجع إلى قولهما.
ومنهم من قال عنه: إنَّه قال: هو أعلم، يعني: الفضل، وبقي على قوله، ونحو هذا من الاختلاف الشديد.
ومن جملة ما وقع في هذا الحديث من اختلافِ رواته اختلافُهُم في من أسند أبو هريرة الحديثَ الذي احتج به في فتواه إليه، فأما من يعرف الرجالَ والجرحَ والتعديل، ومقادير المختلفين في الحفظ، ويميزُ الروايةَ الشاذَّةَ مِن المشهورة، فإنه يُمْكِنُهُم تصحيحُ البعض من ذلك، وطرحُ البعض، والوقفُ في البعض، والحكمُ بالاضطراب في المستوى دونَ غيره.
وأما جَهَلُةُ هذا الشأن، فإنه يلْزَمُهُمُ الحُكْمُ ببُطلانه، وكذلك العارفُ الذي صحَّ عنه فيه شرطُ الاضطراب، وهو استواءُ المختلفين أو تقاربُهم في الحفظ والعدالة، وإليه أشار النسائي حيث لم يُخرجه في " المجتبى " وقد ذكر ابن الأثير في ترجمة النسائي من مقدمات " جامع الأصول " أنَّه اقتصر في " المجتبى " على الصحيح من " سننه الكبرى "(١)، وما ترك منها إلا
(١) هذا وهم فاحش وقع لابن الأثير، تابعه المؤلف عليه دون تمحيص، ورتب عليه نتائج غير صحيحة، وقد بينت بطلان هذا الوهم فيما علقته على " تهذيب الكمال " ١/ ٣٢٨، فراجعه.