للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكِنْ يَقْبضُ العلْمَ بِقَبْضِ (١) العُلَمَاءِ، حَتَّى إذا لَمْ يُبْقِ عَالِمَاً اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسَاً جُهَّالاً، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (٢)، فهذا الحديثُ يقضي (٣) بأنَّ العامَّة قَدْ يجتمعونَ على الضَّلالَةِ والإضلالِ.

الوهم الثاني: أنا لو سلَّمنا أنَّ إجماعُهم صحيحٌ، لما دلَّ على مذهبه بفحوى ولا تصريحٍ، فإنَّ فِعْلَ الأمة دليلٌ على الجواز، لا على الوجوب (٤)، وإنَّما يُسْتدَلُّ على الوجوب بأقوالهم، وكذلِك فِعْلُ النَّبِيِّ عليه السلامُ على القول المنصور في الأصول، وإنَّما وقع فيه خلافٌ لمَّا أَمَرَ اللهُ تعالى بالتَّأسِّي به واتَّباعِه في مُحْكَمِ القرآن، فأمَّا الأمة، فلا قائلَ بأنَّ إجماعَها على الفِعْلِ يَدُلُّ على وُجوبه، ومَنْ قال بذلك، احتاجَ إلى دليلٍ، وإنَّما جاء الدَّليلُ بعصمة الأمة عَنْ فِعْلِ الحرام، لا بعصمتها مِنْ فعلِ المُباح، فَمَا المانِعُ مِنْ إباحة ما فَعَلَتْ، كما أنَّ تركَها للشَّيْءِ لا يَدُلُّ على تحريمه، ولا يمنع مِنْ إباحَة ما تَرَكَتْ.

الوهم الثالث: وَهم أنَّ المقَلِّدِينَ مُجمعون على الالتزام، وذلِكَ


(١) جملة " العلم يقبض " ساقطة من (ب).
(٢) أخرجه البخاري (١٠٠) و (٧٣٠٧)، ومسلم (٢٦٧٣) من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ...
وقوله: " لم يُبْقِ عالماً ": بضم الياء، وكسر القاف، هي رواية الأصيلي، وضبط بفتح الياء والقاف، و" عالم " بالرفع. وفي رواية مسلم: " حتى إذا لم يترك عالماً ".
وهو في " المسند " ٢/ ١٦٢ و١٩٠، والترمذي (٢٦٥٢)، وابن ماجه (٥٢).
وكان تحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في حجة الوداع، كما رواه أحمد ٥/ ٢٦٦، والطبراني (٧٨٦٧) و (٧٨٧٥) و (٧٩٠٦) من حديث أبي أمامة قال: لما كان في حجة الوداع قال: " خذوا العلم قبل أن يقبض أو يرفع "، فقال أعرابي: كيف يرفع؟ فقال: " ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته " ثلاث مرات.
(٣) في (ب) و (ش): يقتضي.
(٤) في (ب): الواجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>