للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسُّنَّة والعُرْفِ واللُّغة تسميتُه علماً ومعرفة، ولذلك قال الله في سورة الأنعام بعد أن حكى كثيراً من ذلك: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٤٤]، ويُوضِّحُهُ أن الله تعالى قَصَرَهُم على اتباع الظن، ثم قصرهم على الخرص (١)، فلو أراد الظن الراجح، لتناقض، لأن المقصور على الخرص، وهو محضُ الكَذِبِ لا يكونُ مقصورا على العمل بالراجح بالضرورة.

الوجه الثاني: من الأصل أن الآية في الظن المعارض للعلم، وهو ظن المشركين لصحة شركهم بدليل قوله: {لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦]، وهذا (٢) يدلُّ على أنه ظنُّ غير الحق، فكيف يُحتج بذلك على قبحِ العمل بظنِّ الحقِّ الصادر عن الأمارة الصحيحة الموجبة للرُّجحان المقبول في فِطَرِ العُقول الخالي عن المعارضة!.

الوجه الثالث: أنها من العموم المخصوص بمن ورد فيه بدليل قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُون} [يس: ٢١] وقوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيّ} [الأعراف: ١٥٧]، وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} [الأنعام: ٩٠].

فإن قلت: هذا تجويزٌ للجهل بالله تعالى.

قلت: كلاَّ، فإنَّ الله تعالى قد سمَّى الظن علماً، وذلك صحيحٌ

وقد أقرَّ به الزمخشريُّ في تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ


(١) في (ش): الخوض، وهو تحريف.
(٢) في (ش): وهو.

<<  <  ج: ص:  >  >>