للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إني لَمْ أُوْمَرْ أنْ أشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ ".

فقولُه عليه السلامُ: " إِني لم أُومَرْ أن أشُق عن قلوبِ الناس " كناية لطيفة منادية بالتنبيه على أنَّه لا طريقَ إلى العلم بالبواطنِ، وذلك أنَّه عليه السلامُ أشار إلى أن الغايةَ القُصوى في البحث عما في الصدور هو شَقُّ القلوب، وقد علمنا أنَّ شَقَّ القلب غيرُ مفيد للعلم بما كان فيه قبل أن يُشَقَّ فإذا كان هذا لا يفيدُ مع أنه الغاية القصوى في البحث عن ضمائر القلوب، وسرائرِ النفوس، فكيف بما عداه؟ وقد أجمعتِ الأمة إجماعاً ضرورياًً أنه لا يُكّفرُ أحدٌ ولا يُفَسَّقُ لمجرد الفهمِ والحَدْسِ (١) ولا يجري بذلك حُكْم مِن أحْكَامِ الشريعة النبوية.

تنبيه: غيرُ خافٍ على أهل النظر أن أهلَ العلوم العقلية قد ذكروا في


= وساق الحديث، ورواه الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب كما رواه يحيى والجماعة عن مالك، ورواه معمر، فسمى الرجل الذي لم يسمه روح بن عبادة. ثم أسند هذه الطرق كلها انظر " التمهيد " ١٠/ ١٥١ - ١٧٢.
وأما القسم الثاني من الحديث، فأخرجه أحمد ٣/ ٤، والبخاري (٤٣٥١)، ومسلم (١٠٦٣) (١٤٤) من حديث أبي سعيد الخدري قال: بعث علي رضي الله عنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً "، قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، قال: " ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ " قال: ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا لعله أن يكون يصلي، قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم ".
(١) قال الأزهري: الحدس: التوهم في معاني الكلام والأمور، بلغني عن فلان أمر وأنا أحدس فيه، أي: أقول بالظن والتوهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>