للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف يُصدِّقُ بعضَ أصحاب الشافعي، وهُو لا يزالُ يُقرِىء (١) ما يقتضي بطلانَ قولهم عنده، أيدَه اللهُ.

الوجه الخامس: قد ثَبَث أنَّ الأمةَ معصومةٌ، وأن إجماعَها حُجَّةٌ إلى يومِ القيامة، وأن المعتبر في الإجماع هُمُ العلماء، وهذه دعوى لجهلِ الأمة تَقْتَضي عدمَ العِصمة، وبطلانَ كونِ الإجماع حجة، وذلك لأنَّه لو لم يكن فيهم مجتهدٌ، وَحَدَثَتْ حادثة ليس فيها ما يَصِحُّ رجوعُهم إليه مِن دون الاجتهاد، فإما أن يُجْمِعُوا أو يختلِفُوا، وعلى كلا الطريقين يلزمُ إما اجتماعُهم على الضلالة، أو خَبْطُهم عند الاختلاف في الجهالة، وذلك لأنَّ كلامهم إما أن يكون بالجُزاف (٢) والتَّبخيت، وهذا لا يجوز، أو بالاستدلال وهو لا يجوز أيضاًً بعدَ فرضِ جهلهم - صانهم اللهُ عن ذلك.

الوجه السادس: أنا نعلمُ أنَّ المدعي لجهل الأمةِ والأئمةِ متهوِّرٌ مجازِف، وذلك لأنَّه لا سبيلَ له إلى المعرفةِ بجهل الأمة والأئمة مع كثرة العلماءِ والمتعلمينَ في جميع الأوساطِ والأطرافِ من المملكة الإسلامية في الشام ومصر والغرب، والعراقَيْنِ، واليمن، والجزيرة. ومنتهي الأمرِ أنَّه طلب فلم يَجِدْ، فعَدَمُ الوِجدانِ لا يَدُلُّ على عدمِ الوجود، والعجبُ من الرَّازِي أنَّه ادَّعى ذلك مع أنَّه لا يزال يستدِلُّ بهذا الدليل.

والعجبُ منه أيضاًً أنَّه قال: العلم بإجماع المتأخرين محالٌ مع فُشُوِّ


(١) في (ب): يقوي.
(٢) الكلام الجزاف: الكلام الذي يقال بلا علم ولا روية ولا تثبت، والتبخيت من البخت، وهو الحظ، وقد تكلمت به العرب، قال الأزهري: لا أدري أعربي هو أم لا، ورجل بخيت: ذو جد، قال ابن دريد: ولا أحسبها فصيحة، والمبخوت: المجدود. وفي " اللسان ": وقد تكلمت به العرب، ومثله في " شفاء العليل " وقال صاحب " المصباح ": البخت: الحظ وزناً ومعنى، وهو أعجمي معرَّب.

<<  <  ج: ص:  >  >>