للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد احتجوا بهذا في غير موضعٍ من القرآن، حيث قالوا: لو شاء اللهُ ما أشركنا، وقد رد الله تعالى هذه الشُّبهة عليهم بما لا مزيد عليه، فكيف احتج بها نوحٌ عليه السلام؟، وهي شبهتهم التي يعتمدون؟

الموضع الثاني: قوله عليه السلام في الآية: {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} فجوَّز ذلك على الله تعالى.

وثالثها: أن كلام آدم عليه السلام مع من هو مثله ممن يعرف تأويل ما ظاهره لا يصح، وليس هو موضع تعليمٍ له، ونوحٌ عليه السلام في موضع التعليم لهم، وكلامه مع جَهَلَةِ (١) الكَفَرَةِ الذين ربما اعتقدوا ظاهر ما يقول.

فإذا عرفت هذا، فاعرِضه على تعصُّبِ السيد على الحديث، حيثُ زعم أن قصة آدم عليه السلام وموسى مما تدل على الجبر، ومما لا يمكن تأويله، وزعم أنه ليس من القرآن ما يُقارب ما في الصحاح ولا ما يُدانيه، وأنه ليس في القرآن إلاَّ ما تأويله قريبٌ على مذهب المعتزلة.

وبعد أن ذكرت (٢) ما يقتضي خلاف كلام السيد، فلا يحسُنُ أن أورد الشبهة وأتركها بغير جوابٍ، فأقول: أما على مذهب (٣) المعتزلة، فقال الزمخشري رحمه الله في تفسير الآية (٤).

فإن قلت: ما معنى: {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}؟

قلت: إذا عرف الله من الكافر الإصرار؛ فخلاَّه وشأنه، ولم يُلْجِئْهُ سُمي ذلك إغواء وإضلالاً، كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوي؛ فلطف به، سُمي إرشاداً وهدايةً، وقيل: أن يُغْوِيَكُمْ: [أن يهلككم]، من غَوِيَ الفصيل غَوَى: إذا


(١) في (د) و (ف): " جهل ".
(٢) في (ف): " أذكر ".
(٣) في (د) و (ف): " قول ".
(٤) " الكشاف " ٢/ ٢٦٧، وما بين حاصرتين منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>