للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف في أمر التوحيد؟ فلو عَلِمَ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الحاجة داعيةٌ إلى تأويل صفات الله، وأنَّه يلزمُ الخلقَ كيفيَّةُ معرفتها، لَمَا وَسِعَهُ إِلاَّ البيانُ، وفي عَدَمِ ذلك دليلٌ على كَذِب مُدَّعيه، فلا يرفع أحدٌ طَرْفَه إلى كيفيّة معرفة صفات الله من قِبَلِ عقله إِلاَّ غضَّه الدَّهَشُ والحيرة، فانقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسيرٌ، فهذا ما يجبُ على المسلمين أن يُؤمنوا به جُملةً، وأنْ يُحيطوا به تفصيلاً، فهذه هي الوظائفُ السَّبْعُ الواجبةُ على الخلق في الآي والأخبارِ، وهي مذهبُ السَّلف، والآن فنقيمُ الدَّليل على أنَّ الحقَّ هو مذهبُ السَّلفِ دونَ المتكلِّمين.

الباب الثاني: في إقامة البرهان على أنَّ الحقَّ هو مذهبُ السَّلفِ، وعليه برهانان: عقليٌّ وسمعيٌّ، أمَّا العقليُّ، فمعنيان: كليٌّ وتفصيليٌّ، أمَّا البُرهانُ الكليُّ، فينكشفُ بتسليمِ أربعةِ أصول هي مسلَّمَةٌ عندَ كُلِّ عاقل.

الأول: أنَّ أعرفَ الخلقِ بصلاحِ أحوالِ العبادِ هُوَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّ جميع ما يَنْفَعُ في الآخرة أو يَضُرُّ لا سبيلَ إلى معرفته بالتَّجرِبَةِ كَمَا عُرِفَ الطِّبُّ بالتَّجرِبَةِ، إذ لا مجالَ للعلومِ التَّجرِيبية إلا بما يشاهد (١) على سبيل التَّكررِ، ومَنِ الَّذِي رجع مِنْ ذلك العالَم، فأدرك بالمشاهدة ما نفع وضرَّ، فأخبر عنه، ولا يُدْرَكُ بقياس العقل، فإنَّ العقولَ قاصرةٌ عَنْ ذلك، والعقلاءُ بأجمعهم معترفون بأنَّ العقل لا يَهْدِي إلى ما (٢) بعد الموت، ولا يُرْشِدُ إلى وجه ضررِ المعاصي، ونفعِ الطاعات، لا سيَّما على سبيل التَّفصيل والتَّحديد، كما وردت الشَّرائع، فأقرَّوا بجملتهم أنَّ ذلك لا يُدْرَكُ


(١) في (ش): بشاهد.
(٢) " إلى ما " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>