للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممكنٌ على وجهٍ صحيحٍ قريبٍ، غير متعسفٍ، وهو ما تقدم مثله في تأويلِ المجازِ المُجمَع عليه، وما كان هذه صفته، فهو ظني اجتهادي، لا إثم فيه على المخالف، فما وجه إدخال بعض متأخري المعتزلة لهذه المسألة في القطعيات، وإن كان المرجُوُّ في أهل التحقيق منهم ألا يجهلوا ذلك، ولم يُخَطِّئُوا فقهاء الإسلام وأئمة العلم في تفسيرهم للرقبة المؤمنة في كفارة القتل هي المقرة بالشهادتين ولا أثَّموا من قال بذلك مع اشتراط إيمانها في كتاب الله تعالى، والعجب من ابن الحاجب أنه اقتصر على المعارضة في الجواب عليهم في " مختصر المنتهى " وهي من أنواع الجدل، وليست من البراهين المقنعة.

الوجه الثاني: أن الله تعالى لم يمنع من ابتغاء غير الإسلام مطلقاً، إنما منع من ابتغى غير الإسلام ديناً، فقيَّد المنع بأن يكون المطلوب ديناً كاملاً، والإيمان الذي هو التصديق بالقلب فقط ليس بدينٍ كاملٍ، ومن ابتغاه، فلم يبتغ ديناً، إنما ابتغى ركناً من أركان الدين، وبعضاً من أبعاضه، وذلك كمن ابتغى الصلاة دون سائر أركان الإسلام، فإنها تصح منه عند الخصوم وتقبل. ولا يُشترط في صحة صلاة المسلم أن يصوم ويزكِّي ويحج، وذلك الدين، وكان يلزمُهم أن لا تصح صلاته وحدها، لأنها -بإقرارهم- ليست بدينٍ، ومن ابتغاها، فقد ابتغى غير الإسلام ديناً (١)، لأنه ابتغى بعضه، والبعض غير الكل بالضرورة، لكن الجواب الحق أنها تصح، لأن الله تعالى إنما نفى قبول من ابتغى غيرَ الإسلام ديناً، ولم يَنْفِ قبول من ابتغى فرضاً من فرائض الإسلام.

والعجب من المعتزلة كيف احتجوا بهذا، وقد أجمعنا وأجمعوا وأجمع المسلمون أن من شَهِدَ الشهادتين، وآمن بقلبه، وصدَّق، وارتكب كبيرةً، وأخلَّ بما ليس تركُه كفراً من الفرائض، أنه قد صح إسلامه، وغُفِرَتْ له ذنوب الكفر، وصحَّت منه الطاعات، فكان يلزمهم أن يخالفوا الإجماع في هذا، ويقولوا: إنه باقٍ على الكفر، وإنه لا يقبل منه إلاَّ كمال الإسلام، للآية.


(١) " ديناً " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>