للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يرد عليه قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢] فإن أقصى ما تدل عليه من هذا المعنى أنه خُيِّر في بعض صور التكليف كتحمُّل الأمانة بعد أن خُلِق مُكَلَّفاً مختاراً، فاختياره الأول الذي اختار به التكليف الخاصَّ جَبْرٌ لم يثبت باختياره، وإن سلمنا أن الآية تقتضي أنه خُيِّر في مطلق التكليف، فغير واردٍ لوجوه.

الأول: أنه لا يصح منه اختيار التكليف حتى يخلق عاقلاً مختاراً من غير اختياره، وهذا هو الجبرُ الأول المتفق عليه.

الثاني: أنها خاصةٌ بآدم عليه السلام، لأن المعلوم ضرورةً أن غيره غير مُخَيَّرٍ فيه.

الوجه الثالث: أنه لا يحسُنُ من الرب عزَّ وجلَّ عند المعتزلة التخيير في الدخول في التكليف، بل الرب عزَّ وجلَّ عن قولهم غير مختار في إيجاب الواجبات وتحريم المحرمات عندهم على ما يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

فالآية عندهم متأولة، وتفسير الجبر بهذا المعنى أجنبيٌّ مما نحن فيه لولا إرادة التقصِّي لمعانيه في إطلاقاتهم وخشية أن يستدركه علي مستدركٌ ما ذكرته، وقد جعلته أوّل المراتب لوضوحه والاتفاق على معناه، وقلة الكلام فيه.

المرتبة الثانية: إطلاقهم وجوب الأفعال بالنظر إلى نفوذ مشيئة الله تعالى مع بقاء الاختيار بالنظر إلي القدرة والمقدور، والأصل في ذلك أنها تواترت النصوص في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعموم قدرة الله تعالى على كل شيء، وبنُفوذ إرادة الله ومشيئته في جميع الكائنات من غير موجب للتأويل ولا قرينةٍ ظنية، بل تَطَابَقَ العقل والنقل على صحة ذلك، وسيأتي (١) بيانه إن شاء الله تعالى مع ورود النصوص أيضاً بأن الله تعالى لا يحب الفساد، ولا يرضى (٢)


(١) في (ش): كما سيأتي.
(٢) من قوله. " أيضاً " إلى هنا بياض في (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>