بهذا أن السَّيِّد قصد أن يستدِلَّ بالعقل على استقباح قبولِ المتأوِّلين، فانكشف أن العقلَ يقتضي وجوبَ قبول المتأولين.
قال- أيَّده الله-: الرابع: أنَّا أجمعنا على أنَّه لا يُقْبَل فاسقُ التصريح، فإِمَّا أن تكون العلةُ تهمتَه بالكذب، وإما أن تكون إهانتَه والاستخفاف به، لأن قبولَ الشهادة والرواية مَنْصِبٌ رفيع يُلزم الخلقَ أحكاماً شديدة، فيلزمونها، فأيُّ رِفعةٍ أعظمُ منها؟ والعلة هي هذه، وهي موجودة في فاسق التأويل مثلها في المصرح، لأن معه دليلاً لو تأمَّلَهُ لما ارتكب البدعة، وأما إن عللنا بتهمته بالكذب ويرى أنَّه يُعاقب عليه، ويكون عند نفسه مطيعاً لله تبارك وتعالى، فيلزمُ مِن أرباب الملَلِ الخارجة عن الإسلام أن تُقْبَلَ روايتهُم مثل رُهبان النصارى، وعباد اليهود، ومثل البراهمة، فإنهم يتحرَّزون عن الكذب أشدَّ التحرز، ويتنزهون عنه أعظمَ التنزه.
أقول: لما فَرَغَ السَّيِّد من الاستدلال بالكتاب والسنة والمعقول، عطف عليه الاستدلالَ بالقياس، وَيردُ على ذلك إشكالات:
الإشكال الأول: أن القياسَ لا يَصِحُّ الاستدلالُ به في المسائل القطعية إلا مع القطعِ بانتفاء النص المحرم للقياس، أما المسائلُ الظنية، فإن ظنَ عدمِ النص يكفي في تجويز القياس، لكن السَّيِّد زعم أن هذه المسألة قطعية، فيجب عليه الدليلُ القاطع على عدم النص.
الإِشكال الثاني: أن الإجماعَ موجودٌ على خلافِ هذا القياسِ فلا يصِح القياسُ مع وجود الإجماع، ومن ها هنا علق أبو طالب عليه السلامُ الاحتجاجَ بالقياس في هذه المسألة على عدم صحة الإجماع، وسيأتي في الفصل الثاني ثبوتُ الإجماع، وأنه لا طريق إلى القطع بانتفائه، والفرقُ