والبراهمة، وجميعِ الأجناس من أهل الملَلِ والنِّحَلِ والمذاهب والفِرقِ مطبقين من أوَّلِ عُمْرِ الدنيا إلى آخره في (١) أقطار الأرض وجزائر العالم على حُسْنِ الخبر والاستخبار، وتطلب الإِعلام، وتعلّم العلوم من الآحاد فالمريضُ يسأل الطبيبَ عما يشفيه، ويعتمِد على ما يأمره به، وأهلُ الحروب يبعثون العيونَ، ويعملونَ على ما يقولون، ومن خاف على صاحبه بعث إليه النذير، ومن احتاج إلى حاجةٍ من صاحبه وهو غائب أرسل إليه الرسول وكتب إليه الكتاب، وكذلك سائرُ التصرفات من جميع أعمال الدنيا والآخرة مبنية على الظَنَ، وحُسْنِ العمل عليه، فالتاجر يركب البحارَ، ويتعرض للأخطار على ظن الربح والسلامة، والزَّرَّاعُ يتحمل الأعمالَ الشاقة ويكدُّ بدنه في إثارة الأرضِ، ويُخاطر بما يطرح فيها من البذرِ على ظن التمام، والبقاء إلى يوم الحصاد، والملوك يجمعون الجنودَ، ويُنفقون الأموالَ في جمعها على رجاء الفتوح بمجرد الظن من غير قطع، وعمَّالُ الآخرة يتحمَّلون مشاق العبادة والمجاهدة على ظن القبول والسلامة في مستقبل العمر من الوقوع في المعاصي المُحْبِطةِ لتلك الأعمال، وطَلَبَةُ العلم يشرعون في غَيْبِ الكتب ودرسها على ظنِّ الفائدة وبلوغ الأمل، وكذلك ما لا يُحصى من جميع أجناس أفعال العقلاء الدالة على إطبقاهم على حسن العمل بالظن، ولا شَكَّ أن خبرَ المتأوِّلين يفيد الظنَّ عند من أجازه وعند من منعه، فالقول بأنه قبيح في العقل إما تعسُّفٌ شديد، وإما نزوحٌ عن التحقيق إلى مكان بعيد.
واعلم أن العالِم من يرى الواضح واضحاً، والمشكل مشكلاً، وليس بمن يتكلَّفُ التشكيكَ في الواضحات وإيضاح المشكلات، فبان