جلب المنافع، ودفع المضار، ومعلومٌ أنَّ التعبد وُضِعَ لهذين الوجهين، وهما جلبُ منافع الآخرة، ودفعُ مضارِّها، ولأنا كما نعلمُ بعقولنا وجوبَ تناولِ الدواء مِن يدِ الطبيب على بعضِ الوجوه، فكذلك نعلم بعقولنا وجوبَ تناولِه من يد غلامه إذا قال: أنا أُنهيه إليكلم على يدِ هذا الغلامِ، وغَلَبَ على ظننا حصولُ أمانته وفقْدُ خيانته في أنَّه يجب علينا تناولُه في الحالين على سواء إلى آخر كلامه عليه السلامُ في كتاب " صفوة الاختيار ".
وأقول: إن العمل بالخبر المظنون صدقُه ما زال معمولاً به بَيْنَ العقلاء ممن وافق في هذه المسألة، ومِمن خالف، ولو كان الخبرُ بما يُظن صدقه قبيحاً في العقل لم يخبر أحد غيرَه إلا بالضروريات التي لا يُفيد الخبرُ بها، وإنما قلنا بغير ذلك، لأن المخبر بغير الضروري إن كان غيرَ عالم بما أخبر به، قَبُحَ منه الإخبار، وإن كان عالماً، قَبُحَ من صاحبه التصديق، وإن كانا عالِمَيْنِ معاً، فلا فائدة في الخبر إِلا ما لا يكاد (١) يُقْصَد من تعريف الإنسان لصاحبه أنَّه عالم، فهذه الصورة، ذَكَر علماء المعاني أنها قد تكون مقصودةً للمخبر، كقول المسلم للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أشهد أنَّكَ رسولُ الله، وهو المسمى بلازمِ فائدةِ الخبر.
وهذا القسم يلزم السَّيِّد أيضاً أن لا يكون للخبرية معنى، لأن قبولَه من المخبر به يكون حراماً في العقل، وكلامُ السَّيِّد هذا يؤدي إلى القول بأن الخبرَ والاستخبارَ قبيحانِ عقلاً لولا ورودُ الشرع بجوازهما، وهذا قول لا يتماسَكُ ضعفاً، فلم يزل العقلاءُ من المسلمين والمشركين والفلاسفة