للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقل درْيَةً بالمسائل النظريات، فإن الإِقدام على ما لا يُؤمن كونُه كذباً وقبيحاً إنما يَقْبُحُ متى كان مستويَ الطرَفَيْنِ من غير رُجحان، أو كان مرجوحاً غيرَ مساوٍ ولا راجح، وهذا شيء ليس بالمختلف فيه، وإنما كلامُنا في المتأوِّل الذي صِدْقُه راجح على كذبه، ولا خلافَ بين أكثر العقلاء في حسن الراجح إن لم يكن في تركه مضرة، فإن كان في تركه مضرةٌ مظنونة، فهو واجب عقلاً، بل هو إجماعي فعلي من الموافق والمخالف كما يأتي بيانُه قريباً.

والعجبُ مِن السيد -أيَّده الله- كيف غَفَلَ عن هذا وهو عمدة المتكلمين في إيجاب النظر حيث لم تندفِعِ المضرةُ المظنونة إلا به ودفعُها واجب، وما لا يَتمُ الواجبُ إلا به يجب كوجوبه، فكيف أُنْسِيَ السيدُ مثلَ هذا الذي لا يزال يُدَرِّسُه، ويُلقنه طلبةَ العلم؟

وقد ذهب السيدُ الإمام أبو طالب عليه السلامُ، والإمامُ المنصور بالله عليه السلام إلى عكس ما ذهب إليه السيدُ، وذلك أن العملَ بخبر الواحد واجب عقلاً، ورواه (ص) و (ط) (١) عليهما السلامُ عن جمهورِ العلماء، وحكي الخلافُ فيه عن طائفةٍ من الإمامية، وطائفةٍ من البغدادية، وقومٍ من الخوارج، ثم قال: والذي يَدُلُّ على ما ذهب إليه الجمهورُ: العقل والسمعُ، وساق الأدلة وَجَوَّدهَا، وقد ذهب إلى هذا الشيخ أبو الحسين البصري.

قال (ص) باللهِ: والذي يَدُلُّ على صحة ما قدمنا من أن العقلاء يستحسنون بعقولهم العمل على خبر الواحد إذا غَلَبَ على ظنهم صِدْقُه في


(١) (ص): رمز للمنصور بالله، و (ط) لأبي طالب، كما ورد مصرحاً به في (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>