للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعُ الشرائع السمعية والبراهين العقلية، كما اجتمعت على تعظيم جلاله، وعزته في نفاذ مشيئته، وعموم قدرته وبطلان قول المعتزلة في خلاف ذلك.

وقد بالغ أئمة الكلام من الأشعرية في نفي الجبر وتزييفه كالشهرستاني في " نهاية الإقدام "، والجويني في كتبه في الأصول والكلام، كما مضى قريباً في مسألة الأفعال بحمد الله تعالى.

وظهر من ذلك أن الجبرية في الأفعال مثل الاتحادية في التوحيد، وذلك أن أهل الاتحاد سمعوا تعظيم المقربين لله ونسيان ما عداه، حتى جرى على ألسنتهم: أنه لا موجود سواه، أي في قلوبهم، فحسبوهم جحدوا الضرورة في وجود المخلوقات فقالوا: إن الله -تعالى عن قولهم- هو خلقه، ليصح لهم بزعمهم حقيقة التوحيد، ولا يكون مع الله سواه، فصوَّبوا عبادة الأصنام لذلك إلاَّ (١) في مجرد تحقيقها.

وكذلك الجبرية لما سمعوا تعظيم إلى ملف لمشيئة الله تعالى وتأثيرها أنكروا أن يكون لغيره سبحانه مشيئةٌ أو فِعلٌ (٢)، وجعلوا ذلك مُحَالاً وعجزاً، والرب يتعالى عنه (٣)، فلم يثبتوا قدرةً لله تعالى على أن يجعل أحد عباده قادراً فاعلاً مختاراً.

فرجع تعظيمهم لقدرة الله تعالى إلى تهوينها، ونسبة القبائح إليه، ولم يعلموا أن مشيئة العباد وأفعالهم متى ثبتت بمشيئة الله، كان أعظم لإجلال الله وتقديسه، فاحذر مواقع الغُلُوِّ، فإنها أساس البدعة، نسأل الله السلامة.

وبعد هذا كله يجب على العبد أن ينظر فيما يحبه سيِّدُه ومولاه ثم يقصده ويتحرَّاه، وقد نظرنا في كتاب الله تعالى، فوَجَدْنا الله سبحانه وتعالى يحبُّ التنزه


(١) أثبت فوقها " لا " في (ف).
(٢) في (أ): فعلاً، وهو خطأ.
(٣) العبارة في (أ) هكذا " وجعلوا ذلك محالاً ولا عجزوا الرب تعالى عنه " وفيها خلل بيّن، وكانت هكذا في نسخة (ش) لكنها صححت من قِبل قارىء النسخة.

<<  <  ج: ص:  >  >>