وتُبطِلُ عنايتهم في التبرُّؤ منه، فثبت أنها جِنايةٌ عليهم.
يوضحه: أنها عبارةٌ توافق مذهب الجبرية الباطل بالضرورة عند أهل السنة وبالوفاق، فكيف تكون مع ذلك موافِقَةً لمذهب السنة ومُترجمةً عنه، وعن الجبر الذي هو نقيضه، فتأمَّل ذلك.
وأهلُ السنة ما أنكروا على المعتزلة إثبات أفعال العباد، ولا نِسبتها إليهم، ولا اختيارهم فيها، بل نسبوا من جحد ذلك من الجبرية إلى مخالفة الضرورة، وزادوا في دعوى الضرورة في ذلك على جمهور المعتزلة.
وإنما أنكر أهل السنة في هذه المسألة على المعتزلة، أو على أكثرهم قولهم: إن إرادة الله فيما يتعلق بهداية العباد غير نافذةٍ، وإن أفعالهم غير مقدورةٍ لله تعالى بأعيانها، مبالغةً في المنع من مقدورٍ بين قادرين، وإن الذوات غير مقدورةٍ لله عزَّ وجلَّ لثبوتها في الأزل، وتعجيز الرب جل جلاله عن هداية العصاة واستلزام مذهبهم لذلك، وإن منعت المعتزلة من تسميته تعجيزاً مع تسميتهم له غير مقدورٍ كما مرَّ بيانه.
وأما قول أهل السنة: إن أفعال العبادِ مخلوقةٌ لله مفعولةٌ للعباد، فقد تقدم بيان مرادهم بذلك مبسوطاً، وأنه لا يقتضي سقوط حجة الله على عباده إلا الجبرية الغُلاة، أما على (١) قول الجويني وأصحابه من أهل السنة، فلأنَّ كونها مخلوقةً مُفَسَّرٌ عندهم بكونها مقدرة، لأن التقدير أشهر معاني الخلق، ولذلك ادعى فيه أنه الحقيقة دون غيره، وقد تقدم مبسوطاً، وأما بقيتهم، فلأن الخلق من الله عندهم من فعل العبد بمنزلة تمكين العباد من المسببات كلَوْنِ المداد ونحوه عند المعتزلة، فهو بمنزلة خلق القدرة والقادر، لا أنه القدر المقابل بالجزاء كما مرَّ محقَّقاً.
وقد أجمعت على تنزيه الله سبحانه من الظلم، بل من العبث واللعب،