وقد اجتهد الإمام المنصور بالله عليه السلام في مدة قريبة لا يحقق كثيرٌ في مثلها فناً واحداً.
فأما مرتبةُ الإمامة في علم العربية والتبريزُ على الأقران، فذلك لا يجب وإن كان من أشرفِ المراتب، وأرفع المناصب، فإن المجتهدين من علماء هذه الأمة من الأئمة عليهم السَّلامُ، ومن سائر فقهاء الأئمة الأربعة لم يشتهروا بالإمامة في العربية، ولا نُقلَتْ اختياراتُهم واختلافاتُهم فيها، كما نقِلَتْ أقوالُ النحاة، ولو اشتغلوا بالإقراء فيها، والنظر في حقائقها، والفحص عن دقائقها، لوجب أن يُنقل ذلك عنهم مثل ما نُقِلَ عنهم اشتغالُهم بعلم الفقه والأثر.
واعلم أن الاشتغال بالتحقيق الكثير لجميع ما يتعلق بالفن مما يحتاج إليه، ومما لا يُحتاج إليه، والتعرُّضُ لحفظه عن ظهر القلب مما يستغرِقُ العمر، لهذا فإن أئمة العربية مثل الخليل وسيبويه وغيرهما لم ينقل عنهم الكلامُ إلا في فنِّهم غالباً، وكذلك سائرُ المبالغين في سائر الفنون مِن شيوخ الكلام، وحُفَّاظ الأثار، والكلام في هذه النكتة يَحْتَمِلُ البسط، وفي هذا كفاية على قدر هذا الجواب.
قال: وأبو هريرة: لم يكن مجتهداً، وإنما كان من الرواة.
أقول: الجوابُ على ما ذكره من تجهيل هذا الصاحب الجليل من وجوه:
الوجه الأول: أنَّا قد بيَّنا أنه لا طريقة لنا إلى العلم بجهل الصحابي إلاَّ إقراره بذلك، أو أن يختبره مجتهد، فيجده قاصراً، ويُخبر بقصوره، وكُلُّ من هذين الطريقين غيرُ حاصل، ولا مانع في العقل، ولا في السمع من أن يكون